السبت، 28 ديسمبر 2013

بعد تتبعها: جميع الوثائق العسيرية التي نقل عنها خبر وجود الدولة اليزيدية أو أي أمرائها قبل عام ١٢١٤هـ في عسير غير موجودة

جاء في كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار ما يلي:
مجموعة كتب إمتاع السامر ومراجعها المجهولة
استخدمت مجموعة الكتب مجهولة المصدر لدعم رواياتها الغريبة والمنقطعة أسماءً لمراجع تدعي بأنها موجودة وأنها نقلت عنها بعض أخبارها، وقبل النظر في صحة وجود هذه المراجع المزعومة ككتب حقيقية فإن كتاب إمتاع السامر ومجموعته التي خرجت مواكبة له وتحمل نفس الفكرة مثل "تاريخ عسير رؤية تاريخية خلال خمسة قرون" وكتاب "عسير في مذكرات سليمان الكمالي ـ تحقيق أحمد بن حسن النعمي ـ وغيرها، هي ذاتها لم يشر إليها قبل بداية مرحلة التزوير في منتصف فترة التسعينات الهجرية بل إنها لم تظهر للعلن قبل عام 1406هـ، ولم يتم الإشارة لأيها كمرجع في أي كتاب آخر، فأين المؤرخين في عسير ونجد ومكة وجازان من هذه المصادر المهمة طوال هذا الوقت، ومن الملاحظات في هذا الخصوص أن كتاب "تاريخ عسير" حسب ما ورد بقلم الناشر المزعوم قد طبع أربع مرات قبل الطبعة التي ظهرت ممهورة بعام 1413هـ، بينما لم يعلم بكل هذه الطبعات ولا مؤلفها أحد ولم يشر إلى الكتاب أو مؤلفه في أي مصدر معروف.
وأيضاً فإن المراجع التي ذكرت في هذه الكتب مثل :
    •    "الحلل السنية في تاريخ أمراء نجد والدرعية"    
المؤلف/ "سالم آل حميد الدوسري" (جد شعيب)
    •    "متعة الناظر ومسرح الخاطر"               
المؤلف / عبدالحميد بن سالم الدوسري (والد شعيب) 
    •    "أخبار بني أمية"                                
 المؤلف / عبدالحميد بن سالم الدوسري  
    •    "مزيل الشجن في أخبار اليمن"         
 المؤلف / السيد المطهر (جد آل الأهدل)   عصره :  مطلع القرن الرابع الهجري
    •    "البرق الوامض في سيرة أحفاد إبراهيم بن عائض" 
المؤلف/ محمد بن زين العابدين الحفظي
    •    "التبصير بتاريخ عسير"                        
المؤلف / عائض بن أحمد الجهري.
    •    "الروض النضير في تاريخ أمراء عسير"      
المؤلف / جعفر الحفظي
    •    "المستفيد"                                         
المؤلف / موسى بن جعفر الحفظي
    •    "الرسائل والأجوبة"         
المؤلف/ علي بن موسى بن جعفر الحفظي 
    •    "النجوم اللوامع من مختصر التواريخ الجوامع"
المؤلف/ المقداد الحرجي
    •    "المروج الحسان في تراجم الأمراء والأعيان"
المؤلف/ الحنظلي
    •    "الوشي المحبوك"  
المؤلف/ زين العابدين بن ابراهيم الحفظي
    •    "السلوك إلى تاريخ الملوك"
المؤلف/ محمد بن ناصر آل موسى
    •    "طبقات العلماء"
المؤلف/ موسى بن جعفر الحفظي
    •    تاريخ الحرجي والناشري
المؤلفان/ الحرجي والناشري
    •    شذا الزهر
المؤلف/ ابن مياس
    •    المقتضب في أخبار من ذهب
المؤلف/ المخضوبي 
    •    الاعتبار في الأخبار والآثار
المؤلف/ المشهوري
    •    الغصون الدانية في أخبار الأمم الفانية
لم يرد إسم المؤلف
    •    الفضائل لما للعرب من شمائل
المؤلف/ المخضوبي
    •    الخمائل النضيرة في حوادث وأخبار إمارات الجزيرة
المؤلف/ ابن صويري اليمامي الحجري
    •    نرهة اللطائف في تراجم الملوك والخلائف
المؤلف/ الشنبه
    •    الشامل النقي والوافي الصفي في أخبار بلدان نجد وقرى وادي الفقي والمحبر الشفي في أخبار بلدة أوشي
المؤلف/ قاضي أوشي: حسن بن صالح بن علي بن عثمان العنقري
    •    الإعلام بدولة الأعلام
المؤلف/ عبدالله بن غشيان
    •    الإعلام بتواريخ وأنساب وسير الأعلام
المؤلف/ حسين بن المطهر الجبلي المضبري الكحيلي
    •    الباج إلى معرفة تراجم من لبس المظلة والخلعة وتقلد السيف والخضرة والنبكة وحمل الريشة والتاج
المؤلف/ محمد بن عبدالهادي الحفظي
    •    فتح الرتاج إلى شرح ما تضمنه كتاب الباج
المؤلف/ صالح بن محسن بن محمد بن علي المسبلي الأحمري الحجري الأزدي
    •    عجائب القدرة فيما تقوم به القردة من عجائب القدرة
المؤلف/ سعيد الدحناني العكاسي
    •    الأسماط الزبرجدية في تاريخ الدولة النجدية
المؤلف/ ابن غيهب 
       
  كل هذه الأسماء مجهولة وغير موجودة وغير معروفة مطلقاً، ولم يشر لها أي مرجع آخر قبل ورود أسمائها لدى هذه المجموعة، رغم قدمها المفترض ورغم أنها تتحدث عن قرون متتالية، وعن أحداث متداخلة مع اليمن ومكة والتي تناولها الكثير من المؤرخين بالإضافة إلى أحداث اليمامة والأحساء وعمان ودول الخليج العربي كاملة.
قلت: وإن لم يوقف هذا العبث فستظهر لنا هذه الكتب وغيرها حاملة العجائب والغرائب والسخرية بالمجتمع وبالتاريخ.
   ومن أجمل الإشارات التي تنبئ عن حقيقة مصادر الإمتاع،  إشارات وجدتها في بعض الكتب رغم أن بعض مؤلفيها  ممن استند إلى ما ورد في مجموعة إمتاع السامر من معلومات ومنها:
    •    ما ورد في  كتاب "العادات والتقاليد في إقليم عسير"  ص244، 245، حيث يقول المؤلف ما يلي:
"وقد ذكر محقق رسالة ابراهيم بن علي بن زين العابدين الحفظي في تاريخ عسير ، أن لعائض بن أحمد الجهري مخطوطاً تاريخياً اسمه: "التبصير بتاريخ عسير". وقد سألت الشيخ عبدالله بن عائض بن أحمد الجهري عن هذا المخطوط التاريخي وأين هو؟ فذكر أنه لا يعلم عنه شيئاً، وأضاف أنه كان في المسجد بقرية المخض، التي يسكنها آل الجهري، كثير من المخطوطات، وقد فقدت من ذلك المسجد".
    •    هل يعقل أن ابناً لا يعرف عن كتاب ألفه والده، إلا إذا كان الكتاب لم يكتب بعد ؟.
    •    ورد في كتاب "دراسات في تاريخ عسير الحديث" قول المؤلف عن مذكرات جعفر الحفظي في الهوامش عندما نقل أحد الأخبار التي انفردت بها هذه المجموعة ما يلي:
"5 ـ جعفر الحفظي: نقلاً عن محمود شاكر الذي انفرد بالإطلاع على هذه المذكرات"
    •    وهنا نجد إشارة من أحد أهم مؤرخي عسير لتفرد محمود شاكر برؤية مذكرات جعفر الحفظي وحجبها عن الجميع غيره حتى من يوافقون خط إمتاع السامر !.
   والجميل هو أن حتى محمود شاكر الذي نقل عنه المؤلف قد اعترف بأنه نقل المعلومات مشافهةً من بعض أهالي عسير دون التحقق من وجود المذكرات ذاتها.
    •    أورد علي عسيري نقلاً عن عبدالله بن حميد في الدر الثمين قوله أن علي بن عبدالرحمن بن يزيد بن معاوية انتقل إلى عسير وأسس حكم الدولة اليزيدية الذي امتد حتى القرن الثالث عشر، ثم في الحاشية يقول:
"يذكر عبدالله بن حميد أنه حصل على المعلومات السابقة من مخطوط لموسى بن جعفر الحفظي، وللأسف فإني لم أتمكن من الاطلاع على هذا المخطوط رغم اتصالي بآل الحفظي  ومحاولتي الحصول على تلك النسخة أو غيرها".
    •    وهنا إشارة مماثلة للوثائق (الجعفرية) التي لا تخرج إلا بخصوصية شديدة جداً، ثم تختفي.
    •    يقول عبدالله أبو داهش بعد أن عدد مجموعة من الكتب التي وردت كمراجع في هذه المصادر أو من نقلوا منها ما يلي:
"وعلى الرغم من طرافة عنوانات هذه المؤلفات وحسنها يجد الباحث خيبة في العثور عليها، أو اتصاف بعضها بالتوازن الحقيقي مع مستوى الحياة العلمية بجبال السراة"





وهنا سنطرح بالصور نموذج آخر لوثيقة عسيرية سوى التي ذكرناها وهي وثيقة زين العابدين الحفظي التي أشار الأستاذ عبدالله بن حميد رحمه الله عام ١٣٩٥ هـ في مجلة العرب إلى أن أحد الأشخاص أطلعه عليها، والتي حملت أول إشارة إلى وجود الدولة اليزيدية قبل عام ١٢١٤هـ وإلى وجود من أسموه بالأمير/ محمد بن أحمد اليزيدي، وإلى الصلة النسبية بين آل عائض وآل مجثل كأول خبر حمل هذه المعلومات قبل ٤٠ عاماً ، وهذا هو نص الوثيقة التي أوردها في المقال كما جاءت في  كتاب أديب من عسير الذي عني بالنتاج الأدبي والعلمي للأستاذ عبدالله بن حميد:


  

وكما شاهدنا فإن الوثيقة تروي تفاصيل تسلسل نسب عايض بن مرعي الى يزيد بن معاوية وكما وردت لاحقاً في الكتب المزورة بالضبط.
 ونلاحظ أيضاً أن عبدالله بن حميد يقول بأن أحدهم أطلعه على الورقتين ولم يقل بأنها لديه أو أن لديه نسخة منها، وهنا نجد إشارة حذرة من ابن حميد إلى الوثيقة، إذن فالوثيقة لدى أحد المهتمين بالتاريخ العسيري  ويقوم بإطلاع المهتمين بالتاريخ عليها للنقل منها كما فعل مع ابن حميد، إلا أننا وطول الأربعين عاماً الماضية لم نجد من اطلع عليها مرة أخرى فلا زالت مخفية حتى هذه اللحظة، بل إننا وبعد مرور أربعون عاماً على الإشارة إليها نجد الباحث علي عوض آل قطب الذي نبش جيداً في الوثائق العسيرية ولم يترك موقعاً يوجد فيه شيئ منها إلا وطرقه ـ وهو من المؤيدين بقوة لفكرة وجود الدولة اليزيدية ـ يستشهد كثيراً  بهذه الوثيقة عام ٢٠١٣م في كتابه "الأمراء اليزيديون"، ولكن حاله كحال الذين ذكرناهم من الباحثين أعلاه مع هذا الصنف من الوثائق، فقد أعتمد على أخبارها ولكن نقلاً عن ابن حميد في مجلة العرب، بما يعني أنها لم تر النور أبداً ولم يطلع عليها أحد منذ ذلك التاريخ، مثلها مثل تلك التي ذكرناها أعلاه، وهذه مقتطفات من إستشهادات علي آل قطب بهذه الوثيقة عام ٢٠١٣:






وكما شاهدنا في مواضيعنا السابقة فإن الوثائق العسيرية التي يستشهد بها مؤيدوا خط إمتاع السامر لم تتجاوز مجموعة الوثائق أعلاه والتي لم تر النور حتى الآن بالإضافة للوثيقة المنسوبة إلى ابراهيم الحفظي التي سبق أن أوضحنا شواهد التحريف فيها في موضوع مصادر التزوير بالوثائق ٢، ووثيقة الحسن الحفظي الحديثة التي أوضحنا خطأ اعتمادها كوثيقة تاريخية في موضوع المخطوط بين مفهوم الوثيقة التاريخية ومفهوم المدونة الشخصية الخاصة جداً

فالوثائق العسيرية المعروفة مثل اللجام المكين لمحمد الحفظي واالظل الممدود لمحمد العجيلي ونفخ العود لمحمد الحفظي ووثيقة الملك العسيري لعبدالرحمن الحفظي وغيرها تنكر تماماً وجود الدولة اليزيدية وتروي التاريخ العسيري بطريقة مختلفة جذرياً عن السرد الذي إشير إلى أن الوثائق التي ذكرنا أعلاه أوردته.
 وحيث وجدنا أن الوثائق التي ذكرناها أعلاه تمثل جميع الوثائق العسيرية التي ورد عنها أنها تشير إلى وجود الدولة اليزيدية، فقد بحثنا عنها في كل المواقع وبين كتابات مؤيديها، فلم نجد لها أثر فكل منها خرجت مرة واحدة ثم اختفت لعشرات السنين رغم لهف الباحثين عليها، ومع إمكانية تزويرها وعدم استبعاد خروجها لاحقاً، إلا أننا وبكل ثقة نقول بأنها حتى ولو خرجت لاحقاً فقد فقدت مصداقيتها، ولم يعد لها أي اهمية بعد اختفائها كل هذه المدة رغم الطلب الكبير عليها مما يقطع بأنها غير حقيقية.


الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

بين التجاهل والتجهيل ... ما خلف الكتابة

   تقدمت إحدى الأسر في عسير إلى المقام السامي بشكوى ضدي ادعت فيها أنني شككت في نسبها وطالبت فيها بسحب كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" من المكتبات ومنع تداوله في المملكة، وإلزامي بالاعتذار لها وللقبائل في المنطقة في الصحف، وإغلاق موقعي الإلكتروني، وقد حضرت إلى الجهات المختصة في بداية الأسبوع وأجبت على الشكوى.
  وبغض النظر عن هذه الشكوى، أو خلافها، إلا أن ما أرغب توضيحه هنا أنني كتبت، وأكتب هنا وهناك، وسأكتب غداً، وبعد غد ليس إلا بدافع حبي لوطني، ورغبة في إيقاف العبث بتاريخه من قبل مجموعة تكتب في الظلام، وأخرى تستند إليها، فتتدخل في الهوية والتاريخ السياسي للوطن بطريقة خاطئة، وبما يشكل خطراً على مستقبله، ولا أرغب في الإساءة لأحد، ولكنني أرى أن عدم العمل على إيقاف العابثين بالتاريخ لمن لديه القدرة على ممارسة ذلك يمثل خيانة للأمانة.
   فالصحيح أن كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار"  لا يوجد به ما يسيء إلى أي قبيلة أو عشيرة على الإطلاق، بل على  العكس من ذلك، فهو محاولة لكشف الستار عن عملية التزوير المنظمة التي تقوم بها جهات مجهولة تحاول تشويه كل شيء جميل فوق هذه الأرض، وتفنيد الأكاذيب التي وردت في مجموعة كتب إمتاع السامر، وتسليط الضوء على الجانب المضيء من تاريخ بلاد السراة قاطبة مما لم يتطرق له أحد وإعادة تقييم المفاهيم المغلوطة حول التاريخ السياسي وقيمة الإنسان والحضارة المادية والمعنوية في بلاد السراة، وإذا كان هنالك من يرون أن إيضاح الأخطاء والأكاذيب التي كانت تصب في صالحهم خطيئة، فإنني أرى أنها في النهاية معلومات خاطئة، لذا فإظهار الحقيقة إذا كانت تتعلق بهوية الوطن وبتاريخه وتوازن هيكله السكاني الموروث هو أمر ضروري مهما كان غير مرغوبا.
ويكفي أن يرى القارئ كيف أنني أحقق في المصادر التاريخية التي أستند إليها قبل اعتمادها، وأقوم باستقراء واضح المعالم للأخبار التاريخية للوصول إلى النتائج المنطقية الموافقة للعقل والمستندة إلى المصادر الحقيقية المعتبرة حول الوضع التاريخي وحول صحة الأخبار، وهو ما يجعل الاستنتاجات مرتبطة بتبرير واضح أوصلنا إليها، ومن ثم فلا مشاحة في أن يرى سواي ممن سيكتب التاريخ غير ما أراه ويحاول اثبات صحة رأيه وخطأ رأيي إذا استند إلى مصادر تاريخية معتبرة واتبع منهجاً واضحاً وصحيحاً في التحليل والاستنتاج، فاختلاف الرؤى والاستنتاجات هو سمة من سمات الكتابة في التاريخ، بل إن الجدل للوصول إلى الحقيقة هو أمر إيجابي عندما يكون المنهج العلمي في الاستناد والاستنتاج هو وسيلة النقاش، ولكن الإشكال يقع حينما تكون الوسائل المتبعة غير نزيهة.  
ورغم أن الكثير من أبناء المنطقة قد أصبحوا على علم بما تحويه هذه المؤلفات والكتب التي استندت إليها من أكاذيب، إلا أنني أعلم أن هنالك آخرين لديهم الرغبة في إيقاف أي نشاط في اتجاه كشف هذه الأكاذيب ممن هم مهتمون بكتابة التاريخ بطريقة خاطئة،  أو من تورطوا بالانضواء في جانب حزب المؤيدين لرواية إمتاع السامر حول فكرة الامبراطورية اليزيدية العميقة المزعومة في عسير، أو من يتم إغراءهم بالمكاسب التاريخية من الأسر أو العشائر المحلية في عسير أو في غيرها من المناطق، فهنالك الكثير من القبائل والأسر في الجزيرة العربية أصبحت ترى في سقوط مجموعة كتب إمتاع السامر سقوطاً لمكاسب أسرية وعشائرية تحققت لهم خلال الفترة الماضية، ومن ثم فهم يدافعون عنها ويهاجمون من يهاجمها، ولا أرغب في الوقت الحاضر في المزيد من الحديث أو عرض بعض المصادر حول هؤلاء الذين أعرفهم وأقرأهم جيداً.
  وقد حاول بعض هؤلاء الإشارة إلى بعض محتويات كتابي بطريقة انتقائية وغير أمينة تهدف إلى تشويه صورة الكتاب والكاتب في عيون الآخرين، وقد وجدت انهم لا زالوا يستخدمون نفس طريقة إمتاع السامر في التظليل والسخرية واستغفال القارئ، إلا أنني لن أجاري هذا الأسلوب في الكتابة، وسأظل أكتب بطريقة تحترم عقل القارئ، ولن أنساق إلى محاولة تحقيق المكاسب السريعة، فلا شك لدي أن الحق سيفرض انتصاره أخيراً ما ظللنا نمسك بمقبضه حتى اللحظة الأخيرة.  
لذا لن استغرب أن يكون هنالك محاولة للّعب بطريقة أو أخرى عبر بعض موظفي بعض الجهات الحكومية في منطقة عسير، أو بعض الجهات الإعلامية، ولكن لا شك أنني سأدافع عن حقي في الكتابة عن تاريخ وطني وفي ممارسة الملاحقة للتزوير، وسأكون هنالك بالمرصاد لكل من يحاول التدخل بطريقة غير محايدة، وأسأل الله العون والسداد.


الاثنين، 9 ديسمبر 2013

المخطوط بين مفهوم الوثيقة التاريخية ومفهوم المدونة الشخصية الخاصة جداً

تعد المخطوطات القديمة وثائقاً تاريخية مهمة، بل هي من أهم المصادر التاريخية التي يعتمد عليها المؤرخون في كتابة التاريخ.
 وهي من الأهمية بحيث أن وجود المخطوط الذي لم يسبق الاطلاع عليه في الكتاب التاريخي يزيد من اهميته بدرجة كبيرة.
 ولكن وهل يمكن اعتبار كل أثر مدون بخط اليد وثيقة تاريخية؟.
لن أعرج هنا إلى التعريفات العلمية للمخطوط أو للوثيقة التاريخية، ولكنني سأناقش عقل القارئ لأنني أحترمه جدا، فأحيانا يكون الأمر من الوضوح بما يغنينا عن الحديث بطريقة رسمية تلتلزم حرفية المعايير، والتطرق للتعريفات السابقة للحالة.
 فمثلاً عندما أتحقق من صحة أن شخصاً ما كتب مدونة تاريخية في منطقة عسير عام ١٣٣٥هـ أو ما قبل ذلك واختتمها بما جرت عليه العادة وأرَّخها ووضع اسمه عليها، فإنني هنا أمام وثيقة تاريخية مكتملة المعالم، ولكن الثقة تقل بمعلومات المخطوط التاريخي عندما لا يختتم الكاتب المدونة أو لا يكتب اسمه أو تاريخ الكتابة، لأنه لم يهيئها للقارئ بوضع اللمسات الأخيرة، ليكون ذلك بمثابة الإذن باكتمال العمل والفسح بالنشر، ويثبت لنا بذلك ثقته في المعلومة ومسئوليته الكاملة عما كتبه.
 ولكن الشرط الأهم من كل ما ذكرناه للاعتراف بالمدونة كوثيقة تاريخية هو أن يتم التحقق من أن المدونة اليدوية سابقة لمرحلة طباعة الكتب في بيئتها، فعندما أجد أن هنالك مدونة يدوية لأي شخص كتبت أثناء انتشار الكتب المطبوعة والمطابع ودور النشر فلا يصح اعتبار هذه المدونة وثيقة تاريخية، ولا يجوز النقل عنها في الكتب التاريخية، لأنها ناهيك عن كونها عبارة عن عمل حديث، فإنها عمل غير مكتمل، ولا تمثل أكثر من محاولة لم تنجح،  أو معلومات غير موثوقة وصلت للكاتب من الآخرين، إذ أن عدم الطباعة والنشر بالطرق المعتبرة في حينه، يعني أن الكاتب لم يكتب للنشر، أو أنه لم يتحقق من صحة المعلومات التي كتبها مبدئياً بخط يده ـ ربما نقلاً عن هذا أو ذاك ـ على أمل التحقق من صحتها لاحقاً فلم يتمكن، لذا لم يقم بطباعتها في كتاب، فاكتمال العمل يكون بنشره من قبل الكاتب بالطرق المعتبرة في حينه، ليكون ذلك دليلاً على ثقته في المعلومة التي قدمها وتحققه من مصادره  والتزامه بالمسؤولية عنها، وإذنا بالنشر وبالقراءة للقراء.
   ومن ثم فلا قيمة علمية لأي مخطوط يدوي حول التاريخ  كتبه أحد المعاصرين للطباعة وطرق النشر المتبعة في العصر الحديث ثم لم يطبع وينشر ككتاب كما جرت العادة.
ومن ثم فإن عرض هذه المدونات بعد وفاة هذا الشخص كوثائق تاريخية ينقل عنها الآخرون يعتبر خطأ يرتكب بحق المتوفي دون أذنه،  إذ أن صاحب الوثيقة كان بإمكانه نشرها إلا أنه لم يتجرأ على ذلك لأسباب قد تتعلق بالرغبة في تلافي تحميل ذمتة مسؤولية الإدلاء بمعلومات لم يتم التحقق من صحتها أمام الله، بينما أقدم سواه على تحميله هذا الوزر.

كما أن إقدام أي كاتب على النقل عن وثيقة كهذه سيكون معيباً لجهده الذي بذله في الكتاب.

  ما أثار لدي الكتابة حول هذا الموضوع هو ما وجدته لدى الباحث / علي عوض آل قطب في كتابه "الأمراء اليزيديون عسير ... تاريخ لم يكتب" حيث اعتمد كثيراً على مخطوط  ذكر أنه "للحسن بن علي الحفظي" وهو ما أطلق عليه : "حولية في تاريخ عسير" ذكر أنه حصل عليها عن طريق ابنه، ونقل عنها الكثير من الغرائب التي لم ترد لدى أي سابقيه من آل الحفظي كمحمد بن هادي العجيلي ومحمد بن أحمد الحفظي وعبدالرحمن الحفظي ولا حتى وردت في وثيقة الحولية الأخرى حول تاريخ عسير التي أوردها، والتي كانت بدون مؤلف.
وبالبحث عن كاتب المخطوط وجدت عنه التالي:
"الحسن بن علي الحفظي
هو الحسن بن علي بن محمد بن حسن بن عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن عبدالقادر الحفظي من مواليد عام ١٣٤٥هـ ببلدة رجال، نشأ في بيت علم وفضل وتلقى تعليمه في المدرسة الحكومية وتوفي عام ١٤٠٦هـ"
 أي أنه عاش حتى عام ١٤٠٦هـ، ومن ثم فإنه قد عاصر مرحلة الطباعة قبل وفاته بفترة طويلة، بل إن أحد آل الحفظي من أبناء عمومته طبع كتاباً في مطابع مازن بأبها عام ١٣٩٣هـ وهو كتاب محمد بن ابراهيم الحفظي "نفحات من عسير"، كما أن الكاتب عاصر مرحلة التظليل التاريخي وتزوير الكثير من الكتب التاريخية التي حملت الكثير من المعلومات الخاطئة، ومن ثم فإن ما ورد فيها من معلومات غير مسبوقة هي محل شك بدرجة عالية، ولا يصح الاستدلال بها من كل النواحي، خاصة وأن الكاتب لم يتجرأ على طباعتها مما يدل على أنه ربما تلقف المعلومات مشافهة من بعض المتحمسين لأفكار محددة ودوَّنها، أو أنه حصل عليها من مصادر غير معروفة، ولكنه لم يصل للثقة بما دوَّنه فتحاشى التورط بطباعتها ونشرها، ومن ثم فإن هذه المدونة لا تمثل وثيقة تاريخية ينقل عنها رأي المذكور، ولا يمكن الاستفادة منها في أكثر من معرفة خط كاتبها رحمه الله لو ظهر له مدونات أخرى للمقارنة والتحقق، أو كذكرى لدى أبنائه.
ومن الغريب الزج بمثل هذه المدونة واعتبارها وثيقة تاريخية في بحث أكاديمي.

الاثنين، 2 ديسمبر 2013

إنموذج للوثائق التاريخية في عسير

قلت سابقاً بأن الوثائق العسيرية لم تعد مؤتمنة على التاريخ العسيري، فيما عدا تلك الثابت كتابتها  قبل منتصف القرن الثالث عشر للهجرة، وهنا سنلقي نظرة على واحدة من الوثائق التي ورد ذكرها في أحد المصادر الحديثة وندرس حال هذه الوثيقة.
  فقد أورد الباحث / علي عوض آل قطب في كتاب "الأمراء اليزيديون  عسير ... تاريخ لم يكتب" ضمن الوثائق التي استدل بها وثيقة كتبت في تاريخ ١٢٤٦هـ أي قبل حوالي مائتي عام وتمثل ورقة صلخ بين قبيلتين من قبائل تهامة عسير وهذه هي الوثيقة:

هذه الوثيقة التي أوردها الباحث في كتابه تمثل في الحقيقة مفاجأة حقيقية، لأنها لم تخرج إلا متأخرة، رغم أنها تؤرخ وبدقة لغزوة دوغان، ولوجود منصب "خليفة الأمير" (أي نائب الرئيس أو ولي العهد حسب الأنظمة الحديثة)، وبغض النظر عن نقاء الخلفية والذي لم نعهده في الوثائق المجايلة، وبغض النظر عن اختلاف وضوح الخط بين مفردة وأخرى وتباين الحبر بدرجة عالية يفترض عدم وجودها بهذه القوة مع مرور كل هذه السنين، وعن كل شيء حول جمال الخط واحترافيته، فإننا سنعرج إلى الملاحظات حول النص ذاته وملابسات الحدث ومنها :
١) الوثيقة عبارة عن صلح بين قبيلتي بني جونة وبني عبد (شحب) وهما من قبائل تهامة عسير، ويحدد الحدود الفاصلة بينهما إثر حدوث غزوات ومشاكل بين القبيلتين حول الحدود (حسب النص)، ولكن ذلك كان أثناء وجود الجيش العسيري خارج المنطقة وبالضبط في تهامة اليمن "بلاد الصليل (الصهاليل)"، والجيش العسيري عادة ما كانت تساهم فيه قبائل المنطقة بشكل مقنن، ومن المفترض وحسب حجم القبيلتين المذكورتين والتان تمثل كل منهما واحدة من سبع قبائل في رجل ألمع والتي كانت تساهم بعدد سبعمائة مقاتل في الجيش العسيري أي أن كلا منهما ساهمت بعدد مائة رجل يفترض أنهم من أفضل رجال القبيلة شجاعة وعقلاً، ومن يعرف العادات القبلية في منطقة عسير يعرف استحالة أن يحدث صلح بين قبيلتين في مثل هذه الضروف، فمن أسوأ الأمور المثيرة للفتن والتي يتحاشاها الناس في عسير عادة، "السفهة"، وهي تعني الاستصغار أو الاستهتار أو الاحتقار للشخص وقيمته، كأن تجتمع القبيلة للتشاور في أي أمر دون أحدها، وقد تحدث الكثير من المشاكل ممن يتعرض لشيئ كذلك، فعادة ما يعترض المستثنى من هذا الاجتماع بصوت عالي ويحتج على سفهه، مما قد يثير فتنة، وقد يعترض المستثنى على الرأي ويفسده أو تقوم القبيلة (بالحق) جراء ذلك، ولكننا هنا أمام عملية تجاهل (سفه) لمجموعة كبيرة من كبار القوم مكانة وشجاعة ونشاطاً!.  فكيف تجرأت القبيلتان على توقيع اتفاقية بهذه الأهمية دون وجود مائة رجل من خيار كل منهما؟.
٢) الوثيقة تحمل إشارات واضحة الدلالة التاريخية مثل تحديد تاريخ الحرب بالسنة والشهر وربط ذلك بحدث تاريخي وهو معركة دوغان، كما تحدد اسم الرجل المكلف بمهام الأمير بن مجثل في غيابه، بل والأغرب أنها تطلق مسمى "خليفة" ذو الدلالة التاريخية الإسلامية المعروفة، وهو ما لم نجد أثراً له في كل الوثائق العسيرية الأخرى، ونجد ذلك في قول "بنظر عايظ بن مرعي خليفة علي ابن مجثل في غزوة دوغان سنة ست وأربعين ومائتين وألف في شهر رجب"، وهذه القصدية التي تشير بهذا الوضوح إلى دلالات تاريخية على درجة عالية من الأهمية، غريبة في ظل وثائق عسيرية وعثمانية مجايلة معظمها مبهمة لم تحمل حتى التاريخ.
٣) من الغريب أن يطلق الناس في عسير على الحرب المزمع خوضها في تهامة اليمن هناك اسمها التاريخي قبل عودة الجيش، علماً بأن مسمى "دوغان" ليس مسمى منطقة أو مدينة او قبيلة ذهب الجيش العسيري لغزوها، بل هو مسمى أحد قصور "الكلفود" (شيخ قبائل الصليل)، والذي لجأ إليه في نهاية الحرب فحاصره الجيش العسيري فيه.
٤) حسب هذه الوثيقة فإن عائض بن مرعي كان على درجة عالية من الأهمية في الإمارة العسيرية لدى الأمير علي بن مجثل بل ربما كان ولي العهد والقائم بأمر الإمارة إلى جانب علي بن مجثل فهو الرجل الأهم بعد الأمير، ومن المفترض أنه أقرب الناس وأهمهم لديه، ولكننا نجد أن الأمير علي بن مجثل يتجاهل وجوده فيما وجدناه من رسائله حيث نشر د. عبدالله أبو داهش رسالة منه إلى أهم علماء عسير في حينه وكان ذلك مع بداية انتشار صيت الإدريسي (أي في آخر أيام الأمير علي بن مجثل)، فقد أشار ابن مجثل في الرسالة إلى سبعة من أعيان عسير على رأسهم "محمد بن مفرح" الرجل الثاني فعلا في حينه ـ كما تدل الوثائق التاريخية الأخرى والاحداث التاريخية ـ بالإضافة لستة من الأعيان الذين ناب عنهم الأمير في إبلاغ السلام إلى علامة عسير في حينه "إبراهيم بن أحمد الحفظي" الذي كان يقطن تهامة (قرية رجال)، بينما لم يكن بينهم "الخليفة" المفترض، وهذا نص الوثيقة كما أوردها الأستاذ عبدالله أبو داهش:


وهذه نسخة من الوثيقة:

٥) والأغرب من كل ذلك أن محمود شاكر وخير الدين الزركلي (غير رأيه وأيد الرأي لآخر بعد اطلاعه على مذكرات سليمان باشا)،  ومثلهم الكثير من مؤرخي عسير قد انبروا للرد على الريحاني ووهبة (قبل تحقيق مذكرات سليمان باشا)، وانكروا  عليهما ما أورداه من ان عايض بن مرعي كان في أول عهده راعيا ولا صلة له بأسرة الحكم، ولكن أيهم لم يستشهد بهذه الوثيقة ليدعم حجته، مع أنها كانت موجودة لدى "أستاذ" - حسب وصف الباحث - يفترض أنه مهتم بالشأن الثقافي في بلاد عسير ومتابع لكل ما يدور فيه، ولكنه لم يتكرم على المعترضين بهذه الوثيقة في الوقت المناسب لدعم موقفهم، وهو يراهم يشرقون ويغربون باحثين عن أي نص يساندهم.

وهنا سأترك للقارئ الحكم على هذه الوثيقة وعلى ما أوردته في كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" حول ضرورة توخي الحذر عند التعامل مع الوثائق العسيرية، لأنها لم تعد مؤتمنة على التاريخ العسيري.

الخميس، 24 أكتوبر 2013

نشاط جديد للعبث بالوثائق التاريخية ٢٠١٣م


استكمالاً لما سبق أن أشرت إليه من محاولة جهات التزوير الزج بأسماء أمراء عسير مثل سعيد بن مسلط وعلي بن مجثل، لسد الثغرات الواضحة في فكرة الدولة اليزيدية العميقة التي يزعمون أنها امتداد للدولة الأموية في عسير، ثم استغنائها عنهما في إصداراتها الأخيرة، ثم العودة إليهما مرة أخرى، وما جاء في بقية التفاصيل الواردة في الموضوع هنا:
http://monsooraseeri.blogspot.com/2013/09/blog-post_8.html
وحيث حضي هذا العام ١٤٣٤هـ / ٢٠١٣م بصدور عدد كبير من المؤلفات عن تاريخ عسير،  وقد قرأت العديد من هذه الإصدارات ووجدت أن هنالك كتباً تحمل أخباراً تتقاطع بطريقة أو أخرى مع بعض ما ورد في كتابي "عسير والتاريخ وانحراف المسار"، كما كان هنالك الكثير من المقالات التي نشرت في الصحف المحلية تحمل نفس المواصفات، وكان بين هذه المؤلفات ما سأعرض بعض الملاحظات عنه هنا، وهو ترجمة لكتاب "عسير قبل الحرب العالمية الأولى" لـ"كيناهان كورنواليس" قام بترجمته قسم "دار نور للدراسات" بدمشق وقدم للكتاب "عارف أحمد عبدالغني"، وتم النشر عن طريق داري نشر سوريتين وهما "دار العراب للدراسات والنشر" و"دار نور" في عام ٢٠١٣م (أي أثناء حموة عنفوان الحرب الدموية في سوريا).

‎وهذا الكتاب نشر في الأصل حسب المدون على النسخة الانجليزية الحديثة منه عام ١٩١٦م، ثم أعيدت طباعته عام ١٩٧٦م عن طريق داري نشر وهما دار "The Falcon Press" ودار "The Oleander Press" في نيويورك وكامبردج.

‎ ويحمل الكتاب الكثير من علامات الاستفهام حول طريقة كتابته ومعلوماته فقد حوى الكتاب الكثير من المعلومات الخاطئة والتخبط حول التقسيمات القبلية وأعداد القبائل وأسماء الأشخاص وشيوخ القبائل، بل لم تخل صفحة من صفحاته من العديد من الاخطاء، وقد أبدى بعض الباحثين ملاحظات حول معلوماته مثل غيثان بن جريس وعبدالرحمن آل حامد وغيرهم، ‎ويلاحظ رغم ذلك أنه حضى بالكثير من الاهتمام من آخرين، فقد ترجم الكتاب عدة مرات أحدها بتوجيه من اللواء أحمد بن مساعد السديري،  ثم ترجمه أحمد عبدالمعطي مصطفى في مجلة الخليج عام ١٤٠٠هـ، ثم ترجم بإشراف علي آل زحيفه حيث أودع بوزارة الثقافة اليمنية عام  ٢٠٠٧م ثم نشر عام ٢٠٠٩م / ١٤٣٠هـ، ثم جاء الإصدار موضع الدراسة عن طريق إثنتين من الدور السورية،  وجميع ترجماته لم تكن دقيقة.
‎ومن الملاحظ أيضاً أن عددا من كتاب المنطقة ممن يكتبون عن تاريخها اعتمدوا على هذا الكتاب في وصفهم للقبائل المحلية وعاداتها وسلوكها وصراعاتها وعلاقاتها القبلية والأسرية، وأرى ذلك معيباً لجهدهم، فالكتاب لا يمثل وثيقة تاريخية معاصرة للأحداث المهمة يمكن اعتمادها خاصة في منطقة عسير، فقد حصل الكاتب الانجليزي على معلوماته من الرواة عام ١٣٣٥هـ كرجل عابر لم يستوطن عسير، أي قبيل نهاية فترة الحكم العثماني، وهي مرحلة كان المجتمع في عسير أثناءها في حالة انهيار شديد تحت وطأة المطرقة العثمانية الثقيلة التي امتدت ضرباتها على مدى قرن من الزمان مما أدى إلى تخلخل سكاني شديد، ثم يدها التي تدخلت في كل شيء وخاصةً التركيبة السكانية والقبلية المحلية على مدى خمسون عاماً، مما ترك أثراً في الحالة النفسية وفي الصلات بين أجزاء المجتمع، وأدى إلى تغير في الكثير من المفاهيم السائدة، وفي المزاج العام للمجتمع، فكانت القبائل المحلية جميعها في حالة تبعية كاملة في تلك المرحلة، منقسمة في تبعيتها بين الإدريسي القادم من بلاد المغرب العربي إلى جازان، وبين التبعية للأتراك، وكلا الطرفين يدفعان الخراج للمتبوع، كما لم يقدم الكاتب دراسة تاريخية مبنية على الاطلاع على تاريخ المنطقة فهو لم يشر إلى ذلك ولا أوحى بذلك ما أورد، ومن ثم فلم يكن هنالك من مصدر للمعلومة للكاتب سوى الحكايات الخيالية والأوصاف التي لا تخلو من الجهل بالواقع والتحيز والتضليل ولا تقوم على أسس معقولة، كما أن مصادره حول القبائل المحلية بعضها لا يمت للمنطقة بصلة كما يتضح من المفردات المستعملة، كإيراده مصطلحاً يحمل كلمة "نعال" نصاً زعم أنه يتداول في المنطقة بنفس النطق، مما يجعل اجتهاد أي باحث لوصف المجتمع والشخصيات والروابط الاجتماعيىة والقبلية من خلال الاطلاع والمعايشة ومن خلال المصادر التاريخية أكثر واقعية مما أورد كورنواليس.
‎وكنت في كتابي (المذكور أعلاه) قد أشرت إلى هذا الكتاب وأشرت إلى أنه اعتمد في معلومته فيما يبدو على كتاب تاميزيه الذي قرأه جيداً قبل جمع معلوماته كما يلمح هو لذلك (في النسخة الانجليزية ص١٠٤)، ثم على بعض موظفي الدولة العثمانية والذين جلهم من خارج منطقة عسير حينها، فارتكب الكثير من الأخطاء (انظر عسير والتاريخ وانحراف المسار ص٥٩)، ولكنني لم أمعن في الشرح نظراُ لما رأيته من عدم أهميته، حيث أنه يحمل من الاخطاء والخلط ما يجعل معلومته عديمة القيمة بالإضافة لما حملته الترجمات المتوفرة في حينه من أخطاء.
كورنواليس يشير إلى كتاب تاميزيه



 وقد تزامن صدور هذه الترجمة مع صدور ترجمة لكتاب حديث وهو رواية "سيدة أبها" في نفس العام ٢٠١٣م  عن النسخة الأصلية "The Mestriss Of Abha" الصادر عام ٢٠١٠م للأمريكي "ويليام نيوتن" ـ كثاني إصدار له خلال حياته قبل وفاته في نفس العام ـ والذي اعتمد فيما يبدو في روايته على كتاب كورنواليس كمصدر أمريكي بنفس لغته فأورد "أسرة آل مفرح" كإحدى أسر آل يزيد في الرواية، كما تزامن صدور هذين الكتابين كذلك مع ظهور معلومات جديدة استجدت حول تركيبة الأسرة اليزيدية الأموية من خلال ضم أسرة آل مفرح إلى آل بني يزيد بن معاوية  لأول مرة في أحد الكتب المحلية وهو كتاب "الأمراء اليزيديون ..." لعلي عوض آل قطب

علي قطب يشير في الهامش إلى آل مفرح كجزء من آل يزيد لمجاراة ما أورد كورنواليس
 


‎ وقد حرص الناشر والمقدم لكتاب كورنواليس على الدفاع عن دقة وصحة معلومات الكتاب في المقدمة، كما قام بتخصيص ١٣ صفحة (ص٤٠ ـ ٥٢) في نهاية الكتاب لسرد أسماء أمراء عسير من آل عايض بن وهاس بن ...بن....بن ..بن ... إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، مع أنه لا محل لها في سياق ترجمة كتاب لأحد المستشرقين، وقد شكك المحقق في الهامش  في صحة الأسماء التي أوردها، ولكنه في المقدمة كان قد أوضح أن التشكيك ليس في صحة النسب ولكن في التسلسل وعدد الأسماء الذي يقول أنه نقله عن كتاب عبدالله بن مسفر .
الصفحات الأولى والأخيرة  للملاحق الورادة في كتاب الترجمة
 


والكتاب بما حوى من الأخطاء فإنه فيما يبدو كان مصدراً مهماً لمزوري إمتاع السامر لصناعة التزوير، ثم لمواجهة السقوط العمودي لأفكارهم الذي بدأت معالمه في الفترة الأخيرة، فقد مثل الكتاب المصدر الوحيد الذي يجمع إلى جوار أسرة آل عايض بعض الأسر المحلية والأسماء المشهورة في أبها  تحت مسمى "آل يزيد"، فقد جاء مثلاً في الكتاب إشارة لبعض الشخصيات الهامة في عسير فورد بينهم (في الترجمة العربية) عبدالله بن مفرح وعبدالله بن مجثل وتم الإشارة إلى أنهما من آل يزيد بالإضافة إلى حسن بن عايض وبقية أفراد أسرة آل عايض فقط
"عبدالله بن مفرح" و"عبدالله بن مجثل" كما وردا لدى كورنواليس

وبذلك فقد يجد من يقرأ النسخة المترجمة أن الكتاب يدعم صحة وجود أسرة حكم يزيدية تنتمي لها الأسر الحاكمة في عسير مثل آل مجثل وآل عايض، وهي الأسرة اليزيدية الأموية، وكما أوردت مجموعة إمتاع السامر، ولا مشكلة في ضم أسرة آل مفرح إليهم، بصفتها أسرة المشيخة في بني مغيد حالياً، وهنا فإننا أمام شاهد محايد كما وصفه علي عوض آل قطب.
‎والكتاب كان سيكون له ما أمَّلوا من القيمة لولا أن كورنواليس وقع في أخطاء لا تغتفر في هذا الخصوص، فقد ضم آل أبو سراح وآل مشيبة أيضاً إلى آل يزيد، كما هو واضح في الصفحات التالية 65-66:
قبيلة بني مغيد ومنهم آل يزيد كما أوردهم كورنواليس (من منتصف الصفحة ٦٥ـ BENI MUGHEID)
أول بطون بني مغيد الثمانية (مرقمة) وهو: "آل يزيد"،  وقد قسمه كورنواليس إلى ثلاثة بيوت (مرقمة)، ثم تأتي بقية البطون 
 

‎وكما نلاحظ في النص، فإن كورواليس قسّم بني مغيد إلى ثمانية أقسام أولها آل يزيد (أسرة الحكم) التي ذكر أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهم ١- آل عايض ٢- أولاد ابن مفرح وضم إليهم "أحمد بن مشيبة" ٣- آل أبو سراح، ومن ثم فمن الواضح أن المؤلف يتخبط، فآل أبو سراح من قرية العزيزة ولا علاقة لهم بآل يزيد ولم يقل بذلك أحد، كما أن آل مشيبة ينتمون لقبيلة آل عبدالعزيز ولا علاقة لهم بآل يزيد ولم يقل بذلك أحد، وآل مفرح أيضاً لم يسبقه أحد إلى ضمهم إلى آل يزيد بما في ذلك كتب إمتاع السامر المزورة، ناهيك عن آل مجثل، وهذا ما يدل على أن كورنواليس الذي ارتكب العديد من الأخطاء وادعى أن في كل قبيلة تحدث عنها شيخان أحدهما للبدو والآخر للحضر على غير الحقيقة، وأسقط قبيلة ربيعة ورفيدة من المفهوم المحلي لعسير وضم بدلاً منها رفيدة اليمن (رفيدة قحطان) .... كان يتخبط بالفعل، فمن الواضح أن كورنواليس كان لديه مشكلة في مصدر المعلومة، فضم كل أمراء عسير وأعيان أبها إلى (آل يزيد)، وهي أخطاء طبيعية متوقعة ممن يتحدثون عن بعد، فيفترضون وجود أسرة حكم ينتمي لها الأمراء المحليون ويستمدون شرعيتهم من خلال الانتماء لها، كما أشرت في كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" ص٣٤١

صفحة من كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" يتعلق بأخطاء الكتاب بافتراضية الصلة بين الأمراء


ولكن بمثل هذا النص بالذات ينكشف التزوير في مكمنه، فالباطل يظل هزيلاً ضعيفاً يعري نفسه دائماً دون أن يعي ذلك، فقد حاول المزور الذي يشرف على هذه الترجمة أن يحول دون انكشاف أخطاء كورنواليس وتخبطه الواضح وبالتالي سقوط القيمة العلمية لشهادته، فقام بتحريف النص المترجم للصفحة السابقة من كتاب كورنواليس (66) بطريقة جذرية، وهاتان صفحتا الترجمة:

ترجمة الجزء الخاص ببني مغيد  ـ ابتداء من العنوان "بني مفيد" (السطر الثالث من الاخير ص٧٦) في النسخة المترجمة
 

وكما نرى، فقد أخفى المترجم الإشارة إلى إسم آل يزيد وأدرج أسماء الأسر التي وردت في الأصل كفروع لآل يزيد بطريقة تلغي أي رابط بينها، أو بينها وبين آل يزيد، فجاءت في الترجمة كعناوين متفرقة، وأخفى تسلسل درجات الانتماء الوارد في الأصل، بل واقتطع المترجم جزءاً كبيراً من النص (عدة أسطر)، كما أخفى الترقيم في تسلسل أسر آل يزيد كما ورد في الأصل بل وفي كامل قبيلة بني مغيد لإخفاء الجريمة.
 ولا شك أن من يحاول إخفاء الأخطاء والالتفاف على الحقائق لاستدراج الأسر الكريمة للتورط بالمصادقة على الأكذوبة الكبرى، لم يكن ليفعل ذلك لو كان يعي أنه يحمل الحقيقة واضحة المعالم. 

‎كما يلاحظ أن المترجم حاول الالتفاف على اسم أحد الشخصيات الواردة في النص وهو "محمد بن علي ولد علي بن مرعي" (mohammed Ibn 'Ali walad 'Ali Ibn Mura'ii)

محمد علي ولد علي بن مرعي كما أورده كورنواليس (رابع اسم في الصفحة)
حيث أورده المترجم باسم: "محمد بن علي ولد علي بن مربع"، نظراً لكون الإسم "مرعي" سيعني إيضاح المقصود بإسم مرعي حاكم تندحة (الواقعة في بيشة بن سالم)، الوارد في كتاب  "كيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب"، وهو ما أشرت له في موضوع "مصادر التزوير بالوثائق ١"

 "محمد بن علي ولد علي بن مرعي" كما ورد في الترجمة (بعد تعديل اسم "مرعي" إلى "مربع")

‎ومن خلال القراءة المتفحصة لهذه الترجمة التي حملت إضافة إلى إعادة استنساخ أخطاء سابقاتها أخطاء جديدة وكثيرة في كل أجزاء الكتاب، فقد اتضح أنها لم تكن إلا إحدى إصدارات مجموعة تزوير إمتاع السامر، فقد كانت الترجمة غير أمينة، بل وموجهة بشكل مزري، فالإصدار لم يكن إلا محاولة للدفاع عن فكرة وجود الدولة اليزيدية المزعومة التي بدأت تتهاوى، من خلال الانتقاء من أخطاء الكاتب ما يدعم الفكرة وحذف ما يثير الشك، ولعل هذا الكتاب الذي اصدرته دارا نشر متضمانتان في ظل الظروف العربية الراهنة مع أن الكتاب سبق ترجمته عدة مرات، وترافق النشر مع صدور عدد من الكتب المماثلة، وفي هذه المرحلة بالذات التي بدأت فيها تنكشف معالم التزوير  يدل على وجود الأهداف السياسية وراء ما يحدث .









الأحد، 8 سبتمبر 2013

التخلص من الأثر السلبي للتزوير يقتضي اجتثاثه كاملاً

"اطلعت على رد الأستاذ عبدالرحمن آل حامد بصحيفة الوطن بتاريخ 1/7/1434هـ، بعنوان "تصحيح التاريخ المغلوط لا يقتضي هدم الموثق"، والذي اجتزأ من كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" بعض الإشارات من سياقها الذي وردت فيه في محاولة لاستثارة الرأي العام ضد الكتاب والكاتب، ثم ادعي أنه لا يوجد مصدر للمعلومات التي اقتطعها متجنياً على الحقيقة، كما قوَّلني ما لم أقله، فأجيبه بالتالي، أولاً: ليس صحيحاً أن المصادر المعاصرة أشارت لوجود صلة بين عايض و ابن مجثل، بل كلها أشارت إلى العكس، وقد أوردْتُ المصادر التي تحدثت عن ذلك، وهي واضحة، وقطعية، وأوضحت ملابسات حديث تاميزيه وأخطاء الترجمة بطريقة أعمق بكثير مما أورد الأخ عبدالرحمن، فالواضح أن ربط ابن مسلط وابن مجثل بآل يزيد في مصادر التزوير هدفه فقط رتق الثغرة الواضحة في فكرة الدولة اليزيدية المزعومة مع الحذر من أي مكاسب حقيقية قد يحظيان بها، لذا وجدنا مصادر إمتاع السامر التي أجمعت بدايةً على هذا الربط قد تخلت عنه بعد أن شعرت بأنها نجحت في فرض فكرة الدولة اليزيدية على الذاكرة الشعبية في المنطقة، وأصبحت قادرة على الوقوف بدون هذين الأميرين، ومن ثم أوردت في أحد مصادرها المتأخرة وهو كتاب "الرحلة اليمانية" ـ المنسوب تحقيقه إلى عبدالله ابن إلياس ـ ص22-23 النص التالي: "هكذا نسبه بعض من ترجم له من علماء الحفاظية، والصحيح أنه: علي ابن مجثل بن مسفر بن محي بن عواض الناجحي المغيدي، وقد وقع الخطأ في أنهم نسبوه إلى جد أبيه من أمه، ونتج ذلك عن أن جد أبيه محيي بن عواض تزوج ترابة بنت الأمير عبدالرحمن بن علي بن عبدالله، الجد الخامس، للأمير عائض بن مرعي، فولد له منها مسفر الذي نسب إلى جده لأمه "ترابه" وخلف مسفر ولدين هما: مسلط، ومجثل، وتزوج مسلط عائشة بنت محمد عمة عائض بن مرعي فأنجبت له سعيداً أمير عسير 1233- 1242هـ ، وتوفي مسلط عنها فتزوجها بعده أخوه مجثل فأولدها علياً المذكور أمير عسير 1242-1249هـ، وعرفت أسرته بآل ترابة نسبة إلى جدته المذكورة. ولم يكن لسعيد بن مسلط عقب. وفي عسير اليوم أسر تحمل اسم (آل مسلط) و(آل مجثل) ولا يمتون إلى هؤلاء بصلة سوى الانتماء إلى قبيلة بني مغيد بن أسلم بن عمرو" ....  ومن هذا النص تتضح النتيجة التي تنتظر ابن مسلط وابن مجثل، فقد استبعدا من الانتماء لأسرة الإمارة اليزيدية المزعومة، وأصبحا لصيقين بها، بل ونفي وجود من ينتمي إليهما حالياً، وبذلك وصلنا للنهاية المقررة سلفاً بعد أن انتفت الحاجة لهما، إلا أنه بعد صدور كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" ثارت الحاجة إلى ابن مجثل وابن مسلط مرة أخرى لمواجهة الوضع الجديد، فعاد المتحمسون لوضعهما في الواجهة وربطهما بأمراء آل يزيد حتى حين، فهل يقبل أن يستمر هذا التلاعب بهذين الرمزين، وبهذه الطريقة؟، كما أن قليلاً من التركيز هو كل ما يلزم لإدراك أن الافتراض الجدلي الوارد في فقرة 4 ص313 لا يعني الاستدلال ; ثانياً: لم أقل أنه لا يوجد صلة بين آل يزيد السقا وآل يزيد الشعف، بل ذكرت أن قبيلة آل يزيد الشعف الكريمة هي مصدر الطرفين، والأبيات الشعبية لا علاقة لها بالاستدلال على الحقيقة في الفترات السابقة ; ثالثاً: لم يكن هنالك تحامل على عايض بن مرعي ولا ابنه محمد رحمهما الله، بل كان هنالك سرد للتاريخ كما ورد في المصادر الحقيقية المحلية وغير المحلية من نصوص واضحة لا تقبل الشك، لإظهار الحقيقة، ووضع حد للعبث ومحاولة تهميش إنسان هذه الأرض، ولا أجد ما يعيب في العمل في الرعي والخدمة لدى الآخرين فهي مهن عمل فيها الأنبياء ممن هم أفضل الخلق وأعلاهم مقاماً، وفئة الخدم التي نتحدث عنها لا تعني بالضرورة الموالي والعبيد فهنالك حالة خاصة في منطقة عسير تحدثت عنها في الكتاب بشكل جلي، وعن المفهوم المحلي حولها ص328، وأوردت ملاحظات محمد رفيع حول هذه الفئة وطريقة التعامل الراقي محلياً معهم حيث يطلق على أيهم "الجار"  بدلاً من "الخادم"، ولكننا نكتب للعموم لذا فنحن نستخدم المفهوم المتعارف عليه للحالة، أما كونه عين وصيا على الأمير الصغير فهذا ما أوضحه تاميزيه، فقد أشار إلى أنه أصبح وصيا على أبناء علي بن مجثل ووصفه بـ"الحاكم المؤقت" ثم أشار إلى أن العسيريين انتخبوا ابن علي بن مجثل أميراً على عسير مع بقاء عايض في السلطة، وفي النصوص تجد المراجع وأرقام الصفحات، كما أن سليمان شفيق متصرف عسير الذي استوطنها عدة سنوات وقرأ تاريخها يقول في مذكراته بأن عايض كان أول عهده من الرعاة ولم يكن من سلالة الأمراء وأنه أول من تولى الإمارة من عشيرته، كما قال بذلك الكثير غيره وهو نص واضح ; رابعاً: لم أقل أن عايضاً سطا على السلطة، بل عين وصياً عليها، ولم يكن النص الذي ذكره الأخ عبدالرحمن هو المستند الأساسي لهذه المعلومة التي تتداولها الذاكرة العسيرية، بل كان هنالك نصوصا كثيرة لتاميزيه وسواه تم الإشارة لها في الكتاب ; خامساً: بخصوص التدخل القوي للعسيريين في قرارات السلطة في عهد عايض وابنه محمد فقد تم الاستدلال بالأحداث الدالة على ذلك بوضوح من مصادر متفرقة ومنها الأخ عبدالرحمن; سادساً: لم يكن هنالك انتقائية ولا تفرقة في الكتاب إطلاقاً، (وآمل تحري المصداقية)، فقد تم اقتباس ما يحمل الدلالة من النص الأساسي ـ كما هو ـ ، وعلق الكاتب على النص وذكر الأسماء ; سابعاً: لم يتم تجاهل فترة حكم عايض بن مرعي وابنه فقد تم سرد أحداثها كجزء من تاريخ الإمارة العسيرية وبموضوعية كاملة ولم يكن هنالك تحيزاً، فنحن عندما ننقل خبر تسليم الإمارة العسيرية إلى الدولة العثمانية منذ بداية عام1259هـ ونرى أن ذلك العمل لم يكن مبرراً من وجهة النظر الغير مدركة لحقيقة وضع السلطة في عسير التي كانت في أوج استقرارها، فإن هذا لا يعني أننا نتحامل على عايض بن مرعي رحمه الله  بل نحن ننقل الحقيقة كما هي ليستوعبها الجميع، ليس للتقليل من قيمة عايض، فهي معلومة قد تدل على دهائه وفطنته وفهمه الجيد لموقفه، فنحن مثلاً لم نتهمه بالخيانة، فقد أوضحنا أن عايضاً كانت له حساباته الشخصية كما أن لغيره حساباتهم التي يجب أن نتفهمها قبل أن نطلق التهم، ولكن الخيانة الحقيقية تكمن في تزوير التاريخ والتلاعب بالحقائق واستغفال المجتمع; ثامناً: بخصوص الدكتور محمد آل زلفة فقد ورد اسمه ضمن مجموعة كبيرة من الرموز العلمية في الوطن وعدد من الجهات الرسمية، للتنبيه إلى طريقة المزورين في الخداع للحصول على معلوماتهم دون أن تعلم المصادر، وتم التنبيه إلى ما عرف من نزاهة هؤلاء الأعلام وما قدموه من خدمة لتاريخ وطنهم، وتم إفراد 16 سطراً في هامش ص147 للثناء على د. محمد آل زلفة ; تاسعاً: بخصوص الإشارة لوجود التشيع في بعض المناطق والقبائل، فهذه المعلومة كانت في سياق الحديث عن تفرق المذاهب في الجزيرة العربية عبر التاريخ، أو في سياق الدفاع عن تلك المناطق والقبائل أمام أخبار إمتاع السامر التي حاولت اختزال أحداث ونشاط تلك القبائل في قرارات أمراء بني أمية المزعومين في عسير فقط، وفرضت عليها أخبار هزائم غير حقيقية زعمت أن أمراء عسير اليزيديين كانوا ينقذونها منها، كما ربطَت نشاط هذه القبائل عبر التاريخ مثل معارك شهران مع شريف مكة ونشاط قبيلة قحطان في نجد بأوامر الإمارة الأموية المزعومة في عسير، مفرغة هذه القبائل بل وكل هذه الأرض من قيمة المبادرة التي جعلتها من اختصاص أمراء آل يزيد المزعومين فقط، لذا فقد تم تفنيد هذه الأكاذيب وغيرها وإعادة الحقوق التاريخية المسلوبة إلى أصحابها، بمثل ما تم توضيح حقيقة وجود قبيلة عسير ودورها الريادي والمحوري في تاريخ الإمارة العسيرية، أما بخصوص الأنساب القبلية  وبعض الأسماء التي أوردها الأخ الكريم والمستقاة من مجموعة كتب إمتاع السامر التي نسجتها مستفيدة من إحدى الحكايات الشعبية وإشارة عابرة لدى كورنواليس تم تحميلهما الكثير من الأخبار التي أبدعها خيال المزورين، كالادعاء بتوارث انتماء بعض القبائل العسيرية في علكم وبني مالك وبني مغيد وربيعة ورفيدة إلى بارق ووجود علاقة خاصة بين هذه القبائل بناء على هذه الرابطة، وهو ما يفيد الأستاذ عبدالرحمن بتوارثه، فهنا سنقف على ما يلزم توضيحه، فالمشكلة الأكبر دائماً لا تكمن في نقل أخبار إمتاع السامر أو الالتقاء معها أو حتى الدفاع عنها بقدر ما هي في لعب دور حصان طروادة لأكاذيب إمتاع السامر، بمحاولة توريط الذاكرة الشعبية لتكون شاهد زور لها، ومثال ذلك ما يفعله الأخ عبدالرحمن من محاولة ربط المفاهيم المحلية بالأخبار الواردة في إمتاع السامر، أو استغلال ما تحمله ذاكرة المجتمع من بقايا أخبار أو ما ورد في بعض المصادر من إشارات غير مكتملة وإعادة صياغتها بصورة جديدة لتتمم أخبار إمتاع السامر، وادعاء توارث هذه الأخبار كما أوردوها على غير الحقيقة، لتبقى الأكاذيب قائمة حتى وإن سقطت مصادرها، لذا فالتخلص من الآثار السلبية للتزوير يقتضي اجتثاثه كاملاً، وليس الجانب السياسي فقط أخي الكريم.
                                                                   منصور أحمد الثبيت العسيري"                                                  



الجمعة، 6 سبتمبر 2013

حفظا للحقوق وحتى لا يحدث لبس

 في صحيفة الندوة وجدت قبل فترة هذا المقال:
http://www.sauress.com/alnadwah/29110?ModPagespeed=noscriptوالذي مهر نشره في الندوة بتاريخ ٢٤ـ١٢ـ٢٠٠٨م كما يشير المصدر عن طريق الكاتب معيض البخيتان، وقد لفت انتباهي ما ورد في المقال حول الشاعر عبدالله بن الدمينة حيث ذكر البخيتان في معرض حديثة عن الشاعر  تداخل قصائد مجموعة من الشعراء المعاصرين له وضرب مثلاً على ذلك بقصيدته المشهورة (ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد) ثم أشار إلى أنه قد تطرق لذلك في كتابه الذي لم يطبع بعد ـ في حينه ـ (من يصوب لنا جغرافيتنا)، ومنذ قرأت المقالة في نهاية ٢٠١٠م فقد حاولت الحصول على كتاب الأستاذ معيض وبحثت عنه ولم أجد له أي أثر ولا أعلم إن كان قد طبع أم لا.وحيث أن إشارة البخيتان إلى الشاعر عبدالله بن الدمينة وما يوحي به عنوان كتابه ( من يصوب لنا جغرافيتنا) يبدو كما لو أنه يضرب على نفس الوتر الذي حمله الفصل الثاني من الباب التاسع من كتابي "عسير والتاريخ وانحراف المسار" والمعنون بـ (إقليم عسير والجزيرة العربية في العصر الجاهلي) حيث طرحت قراءة جديدة حول جغرافية الجزيرة العربية والمفاهيم السائدة حول مسميات وتوزيع مناطقها في حوالي ٨٦ صفحة، واستشهدت بالعديد من الشعراء وقصائدهم وبما قاله الرواة والجغرافيون حول ذلك، وكان مما استشهدت به عدد من قصائد الشاعر عبدالله بن الدمينة الأكلبي، وقد صدر كتابي بتاريخ ٢٠١٢م، بينما أشار البخيتان إلى كتابه في نهاية عام ٢٠٠٨م، ومن ثم فقد يحدث جراء وجود أي تشابه في الطرح بين الكتابين اشتباه حول مصدر معلوماتي، بل ربما اتهمت بالاتكأء على ما ورد لدى البخيتان دون أن أشير إليه.
   لذا أود التوضيح بأن الفصل المذكور بجميع نقاطه سبق طرحه بكامل تفاصيله في منتديات التاريخ:
 http://vb.altareekh.com/%C7%E1%CA%C7%D1%ED%CE-%C7%E1%DE%CF%ED%E3/51594-%DA%D3%ED%D1-%C7%E1%CC%C7%E5%E1%ED%C9-%C8%ED%E4-%C7%E1%CC%DB%D1%C7%DD%ED%E6%E4-%E6%C7%E1%D4%DA%D1%C7%C1.html
بتاريخ ١٩ـ١١ـ ٢٠٠٨م
وفي قسم التاريخ بمنتديات واتا :
http://www.wata.cc/forums/showthread.php?49958-%D8%B9%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%87%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%BA%D8%B1%D8%A7%D9%81%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A1
بتاريخ ٢٥ـ٦ـ٢٠٠٩م

والموضوع هنالك يحمل كامل الفكرة التي تم نشرها في الكتاب
وسوف أتطرق لذلك في الطبعة القادمة

الخميس، 11 يوليو 2013

كتب كتاب " عسير والتاريخ وانحراف المسار "





كتب

كتاب " عسير والتاريخ وانحراف المسار "

اسم الكاتب :   منصور بن أحمد بن منصور العسيرى
عدد الصفحات :  754
التكلفة :  80 ج
دار النشر :  دار الطناني للنشر والتوزيع
العنوان :  2 ش شريف وسط البلد, القاهرة التليفون: 02-23913622
تفاصيل الكتاب :  كتب: مصطفى جمال
يطرح الكتاب  رؤى وأفكار جديدة حول تاريخ إقليم عسير وعلاقته بمجاوريه وببقية أقاليم الجزيرة العربية منذ العصر الجاهلي وإلى العصر الحديث، وحول علاقته بالدولة السعودية منذ قيامها وعلاقته بالإدارة المحلية في مكة المكرمة وباليمن.
 والمهم في هذا الطرح هو استناده إلى المصادر التاريخية واستقراء دلالاتها بطريقة الكاتب المتعمقة في الاستقصاء والتي تميز بها أسلوبه، معتمدًا في الجانب الآخر على إلمامه القوي بالأسماء والأمكنة والجغرافيا، وبالروابط بين الأعراق القبلية على الأرض، بالإضافة لإلمامه الجيد ببقية المناطق في الجزيرة العربية التي تنقل بينها، مما مكنه من طرح رؤيا جديدة مترابطة حول تاريخ الإقليم السياسي وتسلسل أحداثه بالإضافة إلى جغرافية وتاريخ الجزيرة العربية القديم تطرح لأول مرة
 http://www.nashatak.com/books/books_details.php?act_id=2520

<<

كتاب "عسير التاريخ وانحراف المسار" في مجلة إكتوبر

http://www.masress.com/october/131146
تاريخ عسير

نشر في أكتوبر يوم 23 - 09 - 2012


فى محاولة لكشف التزوير والتزييف فى الوثائق والتلاعب بالرواية التاريخية، يجىء كتاب «عسير والتاريخ وانحراف المسار» للباحث منصور بن أحمد بن منصور العسيرى عن دار الطنانى للنشر من أجل التصدى لما تتعرض له منطقة عسير من تلاعب بالتاريخ والأعراق والهوية وايضا للجم العبث المستمر بحقيقة شخصية هذه البقعة من الأرض من قبل بعض المصادر التى تبزغ فى الظلام وتحاول العبث بماضى وحاضر ومستقبل الإنسان فى هذا الإقليم الذى يقع فى الجنوب من منطقة الجزيرة العربية ويطلق عليه إقليم عسير وهو إقليم عامر فى التاريخ العربى وكان مسرحا للكثير من الأحداث التاريخية القديمة ويحمل جزءا كبيرا من ذاكرة المجتمع العربى القديم وأساطيره، كتاب تاريخ عسير كتاب جرئ وجديد يقع فى اكثر من 730صفحة، بذل فيه باحثه منصور بن أحمد جهدا مضنيا فى الاستقراء والتوثيق وكشف الحقائق.

الأحد، 16 يونيو 2013

السلطة ... القوة المطلقة

   يهتم الكثير من المؤرخين بمن وصلوا للسلطة أياً كانت طريقة وصولهم ويعدون كلاً منهم رمزاً تاريخياً للوطن يجب عدم المساس به، بينما الحقيقة أن الرمزية الحقيقية مرتبطة بالسلطة كإنجاز للوطن ذاته، وليست مرتبطة بمن وصل إلى هذا المنصب الذي صنعه سواه.
   فللسلطة عبر التاريخ وقبل أن يتمكن البشر من إخضاعها للقوانين والدساتير الحديثة التي تحد من تفرد شخص بها قوة خفية لا يدركها إلا الراسخون في القرب منها وممارسة قبضتها، وفهم هيكلها المعنوي ومكامن الاتصال والانفصال في بنية هذا الهيكل.
   فللسلطة قوة مادية نعرفها، ولكن هنالك قوة أخرى مركبة أهم منها بل ولها القدرة على إخضاع الأولى وهي القوة المعنوية التي قد لا نعرف كل خفاياها، إنها قوة جعلت من فرصة الوصول إلى الحكم لمن عرفوا مكامن هذه القوة ومن مارسوها من خلال وجودهم حول السلطة ماثلة عبر التاريخ، وفي كل الأقطار.
   وفي التاريخ الكثير من الأمثلة على مطلقية القوة التي تمتلكها السلطة، فلا تكاد أمة من الأمم تخلوا من أمثلة تترجم لنا كيف أن قوة السلطة دائماً ليست في الأشخاص الذين وصلوا إليها، ولكنها كامنة في ذاتها، وفي مدى ترسيخ هيبتها روحياً ومادياً خلال المراحل السابقة، فهي القوة القادرة على أن تجعل رجلاً شبه معتوه يتسنم أمر أمة من الأذكياء لعقود، وهي القادرة على  أن تجعل عبد الأمير أميراً، كما قال أحد الشعراء شاكياً من هذه الحالة يوماً ما:
عبد الأمير وقهوجي عبيده          صاروا بقريتنا هم الأمراء
   ولا جدال في أن في التاريخ الكثير من العظماء الذين صنعوا السلطة، وليس أمثال هؤلاء معنيون بسردنا هذا، فلن يستطيع شخص أن يجادل حول عظمة رجال أمثال أبو العباس السفاح، أو عبدالرحمن الداخل، أو جنكيز خان، أو جورج واشنطن، أو الإمام محمد بن سعود، أو الملك عبدالعزيز، أو الأمير عبدالوهاب أبو نقطة، فهؤلاء وغيرهم الكثير هم من صنعوا السلطة التي وقفوا على رأسها، وهذا أيضاً لا يعني أن كل من وصل للسلطة دون أن يصنعها فهو لا يستحق الذكر، فلا شك أن هنالك الكثير من رجال السلطة العظماء كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما وصلاح الدين وعبدالعزيز بن محمد بن سعود وإبراهام لنكولن والكثير غيرهم كانوا من العظماء في التاريخ، لأنهم أضافوا إلى السلطة فاكتسبت بريقاً آخراً بحضورهم لها وليس العكس، ولكن في المقابل فإن هنالك الكثير ممن صنعتهم السلطة التي وصلوا إليها كمنصب شاغر رمت بهم الأمواج إلى سدته وهم من غير أهله فاكتسبوا هيبته وصاروا من أهل السلطة، فنحن مثلاً نجد في التاريخ البشري الكثير جداً من الحالات لوصول أي الخدم في قصر الحكم إلى السيطرة على مقاليد الأمور، وربما كان ذلك برضا الناس واختيارهم بسبب ظرف طارئ في البداية، متوهمين بأنهم يستطيعون إزاحته عند بلوغ استحقاقات تسليم السلطة لأهلها، لأن أولئك الحكماء كانت تنقصهم حكمة التاريخ، فلو أنهم قرؤوا التاريخ جيداً لاستوعبوا أنهم لن يعودوا مؤهلين لاتخاذ هذا القرار، لأن من وضعوه أصبح يمتلك الخيار المطلق في البقاء أو الرحيل، فأصبح بذلك أحد الذين يشير لهم التاريخ على حساب من صنعوه، وربما أورث أبناءه الحكم فأصبح الخدم أسرة حكم على المخدومين، فليس بعيد عن الذكر وصول كافور الإخشيدي إلى حكم مصر والشام والجزيرة العربية، من خلال وصوله لحكم مصر، التي هي درع الأمة العربية في مراحل كثيرة، والتي بعد تلك المرحلة قادت انتصار المسلمين على الجيوش الصليبية في حطين وعلى التتار في عين جالوت، فكيف وصل هذا الرجل للحكم؟.
في رواية المؤرخين أنه تولى محمد الإخشيد مصر من قبل الخليفة الراضي، وازدهرت البلاد في عهده واستطاع أن يضم بلاد الشام، ثم ضم  الحجاز، وبعد موته خلفه ابناه، وكانا صغيرين، فكانا تحت وصاية مولاه كافور الذي كان عبداً حبشياً للأخشيد، فحكم الدولة واستبد دونهما، وحارب دولة الحمدانيين، وراجت التجارة في عصره، وشجع الأدباء ومنهم أبو  الطيب المتنبي، وبعد وفاته ضعفت الدولة حتى قضى عليها الفاطميون، ومدة إمارته على مصر اثنتان وعشرون سنة، قام في أكثرها بتدبير المملكة في ولاية أبي القاسم ثم أبي الحسين ابني الأخشيد. وتولاها مستقلا سنتين، وأربعة أشهر، وكان يدعى له على المنابر بمكة ومصر والشام إلى أن توفي بالقاهرة. وقيل: حمل تابوته إلى القدس فدفن فيها. قال الذهبي: كان عجبا في العقل والشجاعة.
  ومن ذلك أيضاً وصول موالى أمراء بني زياد كل من رشيد والحسين بن سلامة وجياش ونجاح ثم أبنائه وأحفاده وبنفس الطريقة إلى حكم اليمن، وفي قصتهم كما يرويها مؤرخوا اليمن نرى العجائب.
   تقول الرواية أنه عندما توفي أبي الجيش آخر أمراء بني زياد سنة ثلاثمائة وواحداً وتسعين للهجرة وخلف طفلاً اسمه عبدالله، وقيل إبراهيم، وقيل زياد، تولت كفالته أخته وعبد حبشي لآل أبي الجيش اسمه رشيد، وكان من عبيد رشيد هذا وصيف له يدعى حسين بن سلامة، ونشأ حسين حازماً عنيفاً فلما مات مولاه رشيد وزر لولد أبي الجيش ولأخته هند بنت أبي الجيش وكانت دولتهم تضعضعت أطرافها فحارب حتى أعاد قوة دولتهم، فدان لها من تخلوا عنها، وكان عادلاً كثير الصدقات وعمر في الملك ثلاثين عاماً، شبهه عمارة بعمر بن عبدالعزيز، وقد عمر الطرق والمساجد في اليمن وما بينها وبين مكة، ومما عمر عقبة الطائف (الهدا)، وبعد موته عاد الحكم إلى طفل من بني زياد اسمه عبدالله أو ابراهيم، كفلته عمته وعبد له اسمه مرجان من عبيد الحسين بن سلامة، واستقرت الوزارة لمرجان وكان لمرجان عبدان من الحبشة أحدهما نفيساً والآخر نجاح، فتنافس العبدان على وزارة الحضرة، وكان مولاهما مرجان يميل إلى نفيس وعمة الطفل تميل إلى نجاح فقبض مرجان على سيدته وطفلها وسلمهما لنفيس فقتلهما صبراً، وتملك اليمن، فلما علم نجاح حاربه حتى قتله، ثم قتل مرجان، واستولى على تهامة وقهر الجبال وأصبح يخاطب بالملك وبمولانا واستمر الملك في أبنائه وأحفاده
   ومن القصص التي تحمل عمق العبرة في هذا الخصوص قصة العاصمة السعودية "الرياض"، والتي استعصت على الدولة السعودية في الدرعية لمدة عشرون عاماً وهي إلى جوارها رغم الحروب والمحاولات الكثيرة لإخضاعها، في الوقت الذي سقطت فيه بقية بلاد نجد البعيد منها والقريب خلال هذه الفترة لحكم الدرعية، وهو ما يدل على بسالة وموقف صمود يحسب لأهلها، بينما كان قد تمكن قبل هذه المرحلة بقليل أحد موالي أميرها السابق ويدعى "خميس" من الوصول إلى حكم مدينة الرياض على حساب سيده صغير السن الذي مات والده فأصبح العبد وصياً على قصر الحكم وعلى الطفل، فحكم أهل الرياض وظلم وقتل حتى أزاحه دهام بن دواس خال الطفل القادم من منفوحة، وعندما خرج من قصر الحكم وزالت عنه قوة السلطة قتله أحد أبناء الرياض في طريقه ثأراً لمقتل والده على يده.
   وفي مثل هؤلاء انتهى حكم العباسيين إلى مماليكهم قبل دخول التتار وبعده كما هو معلوم، وانتهى حكم بني أمية في الأندلس إلى مواليهم، وهنالك العشرات من القصص المشابهة في التاريخ وفي أنحاء الدنيا، لسنا في مقام سردها هنا.
   ولكننا من خلال هذه الثلاث حالات التي انتقل في إحداها حكم الأمة العربية إلى أحد الموالي في قصر الحكم كوصي على الأطفال القصار، فتمكن من إدارة الأمور واستبد بالحكم لنفسه وأصبح يسوس البلاد والعباد ويدعى له على المنابر، من شرق البلاد إلى غربها، ثم في القصة الثانية نرى كيف تحول الموالي ومواليهم إلى ولاة على الأولياء، وأصبحوا يتقاتلون ويجيشون الجيوش من الأحرار للدفاع عن سيادة أي من هؤلاء العبيد عليهم ثم يورثون الملك لأبنائهم وأحفادهم، وفي القصة الثالثة نرى كيف أن هذا العبد عندما تولى على الطفل وأصبح المتصرف في قصر الحكم تمكن من ظلم الناس وممارسة القتل والفتك بهم لأنه كان يتحدث من موقع السلطة، ولم يستطع إزاحته إلا شخص قادم من موقع آخر وينتمي لبيت سلطة أخرى وله علاقة بالسلطة في الرياض، بينما نجد أن أهل الدار كانوا في الحقيقة أكفاءً لمنع هذا الخادم من السيادة عليهم لولا تلك القوة المعنوية والمادية التي تقف إلى جواره والكامنة في السلطة، لذا نجده عندما فقد هذه القوة وعاد إلى حالته الأولى يأتي فوراً من يثأر لمقتل أبيه فيقتله، مما يدلنا على أنه مارس القهر من خلال السلطة فقط ولكنه قهر فور فقده لها.
   يقول التاريخ والمنطق بأن هؤلاء الذين جلهم من الخدم والعبيد أو من عبيد العبيد الذين كانوا يقومون على خدمة أسيادهم قبل وصولهم للسلطة، عندما مات أولياؤهم كانوا قبل ذلك من أقرب الناس لهم ومن ثم فقد كان لهم نفوذاً داخل القصر فآل التصرف داخل القصر إليهم تلقائياً، لذا فربما استمر الأمر كذلك تلقائياً، أو لعله قد أوكل لهم الوصاية على تركتهم ومنها أبنائهم والحكم، وهذه الثقة التي اكتسبوها تقودنا بالضرورة إلى التأكيد على أنهم كانوا قبل ذلك الأكثر طاعة ورضاً بحالهم، ولم يكن لهم طموح أبعد من ذلك، وكانت هذه الوداعة هي مكمن الرضا، إذ لا مجال لأن نتخيل عبداً أو خادماً ذو طموح بعيد وأنفة من استعباده أو استخدامه ومطيع في نفس الوقت، أو نتخيل أن لا يكون طيعاً ويكون في نفس الوقت ذا مكانة لدى سيده، مما يجعلنا نسأل عن سبب تنمرهم وتمكنهم من المحافظة على السلطة بل ومد النفوذ على الدول الأخرى، وعن سبب قبول الناس لوضعهم الجديد، وهم من اختيروا لاطمئنان من حولهم أنهم أبعد ما يكونون عن القدرة على الاحتفاظ بالحكم.    
   في الحقيقة أن إحالة ما حدث في عهد أولئك الأشخاص إليهم هو ظلم للتاريخ، ليس لأن لهم بشرة سمراء أو حمراء أو لأنهم من جنس معين، فلا شك أن الملوك الذين أسسوا مملكة الحبشة كانوا رجالاً عظماء، يفوقون في مكانتهم الكثير من ملوك العرب المعاصرين لهم، ويكفي أن مملكتهم التي أسسوها أسقطت أكبر الممالك في الجزيرة العربية التي يفصلهم عنها البحر، ولكننا هنا بصدد الإشارة للحالات الثلاث لدينا كأشخاص رضوا باستعبادهم ثم أصبحوا ولاة على ولاتهم بين عشية وضحاها لتعميم الدلالة على كل الحالات المشابهة بغض النظر عن اللون أو الجنس.
   فكثيراً ما يحيل المؤرخون أحداث البلاد إلى رجال السلطة بطريقة تدل على التفرد بالإنجاز لكل ما حدث في دولهم في عهدهم، فيقولون أن كافور حارب الحمدانيين ومد نفوذه على الحجاز والشام، وكأنه كان لوحده في مصر، بينما الحقيقة أن كافور قد وصل إلى وظيفة شاغرة سهلة جداً في دولة مهيأة للتوسع، ورجال يديرون الأمور في كل مناحيها، فهنالك قادة للجيش وهنالك رجال على الخراج، وهنالك رجال العلم والخطباء الذين يوجهون إلى الجهاد وإلى طاعة السلطان "ولو كان عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبه"، وهنالك المقربون من قصر الحكم من الأعيان، الذين ربما كان توجيه الدفة منوطاً بهم في ظل وجود من هو أقل منهم مكانة في السلطة، وهنالك الجنود ذوي الكفاءة القتالية والعدد الكافي والأرض المنتجة والإمكانيات الكبيرة، فماذا بقي لنعزيه إلى الحاكم الذي لم يصنع شيئاً من هذا بل وصل ووجد كل شيء قد هيئ له لجني المحصول.
  فعندما وصل ذلك الخادم إلى منصب رأس السلطة فإنه أصبح يفكر بعقول غيره ويبطش بأيدي سواه ويشتري ويبيع العباد والبلاد والذمم بمال العباد والبلاد، ويأمر فيطاع وينهى فيمنع، يخشاه الحكيم والأحمق والعاقل والمجنون، لسلطته صفة الشرعية الروحية والمادية، بل وكل الشرعيات التي أحاط بها هذا المنصب من صنعوه قبل وصوله، فأنى لسواه أن ينتزع منه هذه القوة المطلقة؟.
   فربما كانت مواجهة الجيوش الجرارة أسهل على أهل البلاد من إنزال رجل واحد متسلط من موقع السلطة في بلادهم، لذا فلا انتقاص لأي أمة في أن نقول بأن أي خدم السلطان أصبح سلطاناً، فهذه كل الأمم والشعوب رضخت لقانون قوة السلطة المطلقة في الوطن، مثلما أنه لا انتقاص لأرض تعالت عن تقبل وجود السلطة في الحقب الماضية من الزمن.

الاثنين، 3 يونيو 2013

مصادر التزوير بالوثائق ٣

من ضمن استدلالات بعض الكتاب على صحة وجود الدولة اليزيدية الأموية بيت زعموا أنه قاله الشاعر/ عبدالخالق الحفظي في مدح محمد بن عايض يقول  فيه:
أرومة من قريش طاب معدنها *** نسل اليزيدين أهل الفضل والمنن
وقد أورده أحد الكتب التاريخية مرجعاً المصدر إلى اسم كتاب مجهول إلى حد ما، فقد أرجع الأستاذ علي عوض آل قطب مصدر هذا البيت في كتابه "الأمراء اليزيديون ..." ص٦٣ إلى كتاب اسمه "الشعر في عسير" لمؤلف اسمه: "عبدالله بن قيس الغامدي" صادر عن دار نشر اسمها "دار الفتح" بدمشق، والنقل حسب الناقل كان عن الطبعة الثانية والتي صدرت عام ١٣٩٨هـ، ولا شك لدي أن الأخ علي كان ينقل عن كتاب حقيقي له غلاف عليه اسم المؤلف والناشر وورق مطبوع يقلبه وينقل منه المعلومات كما أوردها، ولكني بحثت عن اسم الكتاب أو الكاتب فلم أجده ولا من أشار إليه قبل ذلك، وأخشى أننا أمام كتاب جديد من كتب مجموعة إمتاع السامر التي تفاجئنا كل يوم بجديدها، فالحقيقة أن أول ظهور لهذا البيت ضمن القصيدة كان في الكتاب المزور "إمتاع السامر" كواحد من العديد من الأبيات التي تمت إضافتها إلى النص الأساسي والتي تشير إلى النسب ألأموي، وهذه الصفحات المتضمنة للبيت المذكور كما ورد في كتاب إمتاع السامر:

 والبيت المذكور هو رقم ٣٦، وقد جاء بعد البيت الذي يقول مطلعه "أما درى أنه الضرغام من نفر"وقبل الذي يقول "الطاعنون العدا والناقلون لهم" كما نلاحظ أن الثمانية الأبيات من رقم ٢٧ إلى ٢٨و بالإضافة للبيت المذكور وبعض الأبيات المتفرقة في القصيدة هي أبيات مضافة، لم يتضمنها النص الأصلي الذي سنراه بعد قليل، ويلاحظ أن الأبيات المضافة تنفرد بحمل إشارات واضحة إلى النسب الأموي، بينما القصيدة الأساسية لا تحمل أي إشارة إلى النسب الأموي على الإطلاق.
 ولكن النص الأصلي للقصيدة ورد في أحد المصادر الحقيقية الموثوقة قبل صدور كتاب إمتاع السامر والكتب المشابهة له، ففي عام ١٣٩٣هـ صدر كتاب نفحات من عسير لمؤلفه / محمد بن أبراهيم زين العابدين الحفظي  وهو كتاب عني مؤلفه بجمع قصائد الشعراء من أسرته (آل الحفظي)، وقد طبع الكتاب في مدينة أبها بمطابع مازن، وهو موجود بمكتبة أبها العامة، وهذه صفحة الغلاف والصفحة الأولى:


وقد حوى ضمن الشعراء والقصائد المضمنة في الكتاب القصيدة المذكورة وهي للشاعر عبدالخالق بن ابراهيم بن احمد الحفظي قالها عام ١٢٨٠ هـ في مدح محمد بن عايض بعد دخول الجيش العسيري لأبي عريش منتصراً، إثر خصام بين أمراء أبي عريش واستنجاد أحدهم بالعسيريين، وبينما وردت القصيدة في ٨٣ بيتاً في إمتاع السامر فإن عدد أبيات القصيدة الحقيقية  ٦٩ بيتاً فقط، وهذه الصفحة التي ورد فيها البيت:
وكما نلاحظ فإن نص القصيدة الحقيقية لا يحتوي على البيت المذكور ـ والذي يفترض أنه يقع بين البيتين الرابع والخامس من الأخيرـ ولا الأبيات الأخرى التي تشير إلى النسب الأموي (من ٢٧ إلى ٢٨) التي وردت في النص الوارد في كتاب "إمتاع السامر"، وهو ما يدلنا على حجم العبث الذي يمارس ومقدار السخرية بالمجتمع وبثقافته وبتاريخه.

الجمعة، 31 مايو 2013

مصادر التزوير بالوثائق ٢


   هذه الصورة هي صفحة من الوثيقة المنسوبة إلى ابراهيم زين العابدين الحفظي المتوفي في سبعينيات القرن الهجري الماضي والتي صدر كتاب تحقيقها ممهوراً باسم محمد بن مسلط المسمى "تاريخ عسير خلال خمسة قرون .. رؤية تاريخية"،  ويبدو من خلال النص أنها إما أن تكون منحولة باسمه أو أنها كتبت من قبل ابنه محمد ولكنها نسبت إليه من قبل من وضعوا أيديهم عليها، حيث تتفق في بعض أخبارها مع ما أورده ابنه في كتاب نفحات من عسير، كما أن بعض المعلومات بها لم تثر إلا في فترة التسعينات الهجرية وما بعدها.

   ولكن يلاحظ الجرأة على التحريف في نص الوثيقة ذاتها، واعتماد التحريف في الكتاب المزور المذكور، فمثلاً نلاحظ أعلاه إضافة عبارة "بعد قتل الأمير محمد بن أحمد اليزيدي" في نهاية السطر الرابع خارج السطر، والإضافة هنا واضحة جداً ومع ذلك فقد وردت في التحقيق كجزء من النص الأساسي وهذه صورة النص في الكتاب المحقق:



ومن خلال هذه الإضافة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا على المتحمسين وبقوة هو:
لو كان هنالك أميراً اسمه محمد بن أحمد اليزيدي بالفعل تم قتله على يد الدولة السعودية، هل سيحتاج المزورون لهذه المغامرة بتحريف وثيقة تاريخية بهذه الرعونة لإثبات حقيقته ؟.

ولعل هذا يعطينا فكرة عن مستوى الثقة التي يمكن أن نضعها في الوثائق العسيرية في وقتنا الحالي، فهذه الوثيقة متداولة بوضعها الحالي بين من يكتبون تاريخ عسير وتنقل المعلومة منها بكل أريحية، كما أنه أيضاً يعطينا فكرة عن نوعية المصادر التاريخية التي أصبح الجميع يقتبس تاريخ عسير منها، فهذه المعلومة نقلت ولا زالت تنقل فى الكتب  التاريخية حتى هذه اللحظة إن لم يكن عن كتاب ابن مسلط فنقلاً عن وثيقة المفترى عليه إبراهيم زين العابدي الحفظي رحمه الله مباشرة.



ولم تقف خيانة المزورين عند محاولة التدخل في التاريخ السياسي لمنطقة عسير وتهميش دور أبنائها في أحداثها منذ القرن الثاني للهجرة حتى الآن، وتحييدهم عن الحراك السياسي الذي حدث منذ بداية القرن الثالث عشر للهجرة، بل تجاوز ذلك إلى التدخل في التركيبة الاجتماعية المتوارثة والتوازنات القبلية الموجودة على الأرض، ففي هذه الصفحة من نفس الوثيقة نجد التدخل في النص مرة أخرى بإضافة ذات أثر اجتماعي وتاريخي وتلاعب بالأنساب كبير:



نلاحظ في السطر الحادي عشر أن هنالك إضافة جانبية بخط مختلف وقلم مختلف وخارجه عن سياق السطر وهي كلمة "أحلاف" وقد أضيفت بنفس طريقة الصفحة السابقة، وهذه الكلمة تقلب المعنى تماماً، فبينما يشير النص إلى أن عسير قبيلة عدنانية كبيرة تنطوي على قبائل عديدة، وهو ما يعني بطون كبيرة من القبيلة الأم، فقد تدخل صاحبنا ليضع كلمة أحلاف فيقلب كامل المعنى ليطابق ما سارت عليه مجموعة الإمتاع في كل كتبها من نفي وجود قبيلة اسمها عسير واعتبار ما هو موجود تحت هذا المسمى هو أحلاف تضم كامل المنطقة. 
وقد اعتمد التحريف في كتاب التحقيق كجزء من النص الأساسي دون حياء ولا خجل وهذا هو النص في الكتاب:


كما نرى في السطر التاسع من الصفحة أن كلمة (أحلاف) أصبحت جزءاً من النص الأساسي.
وكما أسلفنا فإن هذه الإضافة أصبحت معلومة أساسية في كتابة التاريخ القبلي في المنطقة وفرض المزورون وجهة نظرهم على كل من يكتب التاريخ.

وما خفي أعظم، فالوثيقة احتوت على الكثير من التعديلات التي اعتمدت في التحقيق من شاكلة ما ذكرنا.

علماً أن الوثيقة موجودة عند الكاتب "محمد حسن غريب" كما يقول علي عسيري وقد نقل عنها وعن كتاب تحقيقها جل مؤرخي عسير.

فهل بقي هنالك من يلومنا عندما نقول أن الوثائق التاريخية العسيرية لم تعد مصادر موثوقة لتاريخ عسير .

الخميس، 30 مايو 2013

مصادر التزوير بالوثائق ١

كنت وضعت في الكتاب بنداً لشرح طريقة مزوري إمتاع السامر في الاستفادة من المصادر التاريخية الحقيقية لصياغة التزوير وكيف أن هذه المجموعة وضعت يدها قبل الجميع على العديد من المصادر والوثائق التاريخية المفرقة في أنحاء العالم وتمكنت من ثم من صياغة التزوير بطريقة محكمة إلى حد ما، والجميل أن كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" قد اضطر هذه المجموعة المزورة إلى الخروج من القمقم لدعم أخبارهم التي لا يوجد لها أي سند فاضطروا إلى الرجوع إلى المصادر والاستشهاد بها وهم بذلك يكونون قد غامروا برمي أوراقهم الرئيسية، بينما لم يستطيعوا الحصول على مصدر واحد يشير إلى الدولة اليزيدية المزعومة أو أي أمرائها في المصادر العسيرية أو سواها، وقبل الإصدار التفصيلي النهائي فإنني أود أن أعرض هنا وبالوثائق بعض من مصادر التزوير التي استندوا إليها في كتبهم


كان كتاب "كيف كان خروج شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب" والذي هو عبارة عن وثيقة لمؤلف مجهول موجودة في فرنسا التي يملك المزورون امتيازاً خاصاً للوصول إلى وثائقها، وقد قام بتحقيق الوثيقة د. عبدالله العثيمين ونشر الكتاب عام ١٤٠٣هـ، ومن ثم كان لمصادر التزوير فرصة الاطلاع على الوثيقة ومن ثم تم الاتكاء على بعض الإشارات الواردة في الكتاب وإليكم الصور





ومن خلال المعلومة هنا نجد أن الكاتب قد أشار إلى أن حاكم تندحة في عهد عبدالعزيز بن محمد بن سعود اسمه "مرعي" ومرعي المقصود هنا هو أمير رفيدة السفلى  الواقعة على ضفاف (بيشة ابن سالم) وهو مسمى الجزء الرفيدي من وادي بيشة الواقع ما بين أحد رفيدة وتندحة وقد أورد كيناهان كورنواليس اسمه عندما أشار إلى حفيده أمير بيشة ابن سالم، وهذه الصفحة التي أورد فيها كورنواليس اسمه من الكتاب الأساسي "عسير قبل الحرب العالمية الأولى ـ asir before world war1"

محمد بن علي ولد علي بن مرعي .. على فرع بيشة ابن سالم من رفيدة اليمن (قحطان)، عمره خمسة وأربعون عاماً ....

من خلال ما سبق يتضح لنا أن مرعي الذي أشارت له الوثيقة هو مرعي جد شيخ رفيدة بيشة بن سالم المذكور والذي لا زال أحفاده يتوارثون إمارتهم على تندحة وما بينها وبين أحد رفيدة عندما حضر كورنواليس في ثلاثينات القرن الهجري الماضي، والصياغة فيها بعض الارتباك بما يمكن أن يستدرج إلى إشارة عامة ولو بدرجة قبول أقل فقد تجد من يقول أنه ربما كان المقصود أنه أميراً على المناطق المذكورة في السرد، ولكن الاسم هنا على درجة كبيرة من الأهمية فهو مطابق لاسم والد عايض بن "مرعي" لذا فقد تم توضيفه بعناية فائقة في الرواية الواردة في كتب التزوير فهو أمير عسير إلى ما بعد منتصف القرن الثاني عشر الهجري بقليل ثم تنازل عن الحكم بعد أن كان قد قرر أن ينقل مركز حكم الدولة اليزيدية إلى تندحة التي أشار المؤلف هنا إلى أن حاكمها اسمه مرعي ولكنه تراجع، وهذا النص الوارد في إمتاع السامر حول ذلك:

ومكث الأمير (مرعي) هناك ما يقرب من خمسة شهور، ورغب أن يجعل تندحة مقراً لحكمه لمركزها في الوسط، لكنه عدل عن رغبته هذه وذلك عام ١١٦٥هجرية
وهنا نرى مثالاً حياً واضح المعالم على طريقة المزورين في الاستفادة من المصادر التاريخية في صياغة أكاذيبهم وبعناية خاصة جداً.