السبت، 28 ديسمبر 2013

بعد تتبعها: جميع الوثائق العسيرية التي نقل عنها خبر وجود الدولة اليزيدية أو أي أمرائها قبل عام ١٢١٤هـ في عسير غير موجودة

جاء في كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار ما يلي:
مجموعة كتب إمتاع السامر ومراجعها المجهولة
استخدمت مجموعة الكتب مجهولة المصدر لدعم رواياتها الغريبة والمنقطعة أسماءً لمراجع تدعي بأنها موجودة وأنها نقلت عنها بعض أخبارها، وقبل النظر في صحة وجود هذه المراجع المزعومة ككتب حقيقية فإن كتاب إمتاع السامر ومجموعته التي خرجت مواكبة له وتحمل نفس الفكرة مثل "تاريخ عسير رؤية تاريخية خلال خمسة قرون" وكتاب "عسير في مذكرات سليمان الكمالي ـ تحقيق أحمد بن حسن النعمي ـ وغيرها، هي ذاتها لم يشر إليها قبل بداية مرحلة التزوير في منتصف فترة التسعينات الهجرية بل إنها لم تظهر للعلن قبل عام 1406هـ، ولم يتم الإشارة لأيها كمرجع في أي كتاب آخر، فأين المؤرخين في عسير ونجد ومكة وجازان من هذه المصادر المهمة طوال هذا الوقت، ومن الملاحظات في هذا الخصوص أن كتاب "تاريخ عسير" حسب ما ورد بقلم الناشر المزعوم قد طبع أربع مرات قبل الطبعة التي ظهرت ممهورة بعام 1413هـ، بينما لم يعلم بكل هذه الطبعات ولا مؤلفها أحد ولم يشر إلى الكتاب أو مؤلفه في أي مصدر معروف.
وأيضاً فإن المراجع التي ذكرت في هذه الكتب مثل :
    •    "الحلل السنية في تاريخ أمراء نجد والدرعية"    
المؤلف/ "سالم آل حميد الدوسري" (جد شعيب)
    •    "متعة الناظر ومسرح الخاطر"               
المؤلف / عبدالحميد بن سالم الدوسري (والد شعيب) 
    •    "أخبار بني أمية"                                
 المؤلف / عبدالحميد بن سالم الدوسري  
    •    "مزيل الشجن في أخبار اليمن"         
 المؤلف / السيد المطهر (جد آل الأهدل)   عصره :  مطلع القرن الرابع الهجري
    •    "البرق الوامض في سيرة أحفاد إبراهيم بن عائض" 
المؤلف/ محمد بن زين العابدين الحفظي
    •    "التبصير بتاريخ عسير"                        
المؤلف / عائض بن أحمد الجهري.
    •    "الروض النضير في تاريخ أمراء عسير"      
المؤلف / جعفر الحفظي
    •    "المستفيد"                                         
المؤلف / موسى بن جعفر الحفظي
    •    "الرسائل والأجوبة"         
المؤلف/ علي بن موسى بن جعفر الحفظي 
    •    "النجوم اللوامع من مختصر التواريخ الجوامع"
المؤلف/ المقداد الحرجي
    •    "المروج الحسان في تراجم الأمراء والأعيان"
المؤلف/ الحنظلي
    •    "الوشي المحبوك"  
المؤلف/ زين العابدين بن ابراهيم الحفظي
    •    "السلوك إلى تاريخ الملوك"
المؤلف/ محمد بن ناصر آل موسى
    •    "طبقات العلماء"
المؤلف/ موسى بن جعفر الحفظي
    •    تاريخ الحرجي والناشري
المؤلفان/ الحرجي والناشري
    •    شذا الزهر
المؤلف/ ابن مياس
    •    المقتضب في أخبار من ذهب
المؤلف/ المخضوبي 
    •    الاعتبار في الأخبار والآثار
المؤلف/ المشهوري
    •    الغصون الدانية في أخبار الأمم الفانية
لم يرد إسم المؤلف
    •    الفضائل لما للعرب من شمائل
المؤلف/ المخضوبي
    •    الخمائل النضيرة في حوادث وأخبار إمارات الجزيرة
المؤلف/ ابن صويري اليمامي الحجري
    •    نرهة اللطائف في تراجم الملوك والخلائف
المؤلف/ الشنبه
    •    الشامل النقي والوافي الصفي في أخبار بلدان نجد وقرى وادي الفقي والمحبر الشفي في أخبار بلدة أوشي
المؤلف/ قاضي أوشي: حسن بن صالح بن علي بن عثمان العنقري
    •    الإعلام بدولة الأعلام
المؤلف/ عبدالله بن غشيان
    •    الإعلام بتواريخ وأنساب وسير الأعلام
المؤلف/ حسين بن المطهر الجبلي المضبري الكحيلي
    •    الباج إلى معرفة تراجم من لبس المظلة والخلعة وتقلد السيف والخضرة والنبكة وحمل الريشة والتاج
المؤلف/ محمد بن عبدالهادي الحفظي
    •    فتح الرتاج إلى شرح ما تضمنه كتاب الباج
المؤلف/ صالح بن محسن بن محمد بن علي المسبلي الأحمري الحجري الأزدي
    •    عجائب القدرة فيما تقوم به القردة من عجائب القدرة
المؤلف/ سعيد الدحناني العكاسي
    •    الأسماط الزبرجدية في تاريخ الدولة النجدية
المؤلف/ ابن غيهب 
       
  كل هذه الأسماء مجهولة وغير موجودة وغير معروفة مطلقاً، ولم يشر لها أي مرجع آخر قبل ورود أسمائها لدى هذه المجموعة، رغم قدمها المفترض ورغم أنها تتحدث عن قرون متتالية، وعن أحداث متداخلة مع اليمن ومكة والتي تناولها الكثير من المؤرخين بالإضافة إلى أحداث اليمامة والأحساء وعمان ودول الخليج العربي كاملة.
قلت: وإن لم يوقف هذا العبث فستظهر لنا هذه الكتب وغيرها حاملة العجائب والغرائب والسخرية بالمجتمع وبالتاريخ.
   ومن أجمل الإشارات التي تنبئ عن حقيقة مصادر الإمتاع،  إشارات وجدتها في بعض الكتب رغم أن بعض مؤلفيها  ممن استند إلى ما ورد في مجموعة إمتاع السامر من معلومات ومنها:
    •    ما ورد في  كتاب "العادات والتقاليد في إقليم عسير"  ص244، 245، حيث يقول المؤلف ما يلي:
"وقد ذكر محقق رسالة ابراهيم بن علي بن زين العابدين الحفظي في تاريخ عسير ، أن لعائض بن أحمد الجهري مخطوطاً تاريخياً اسمه: "التبصير بتاريخ عسير". وقد سألت الشيخ عبدالله بن عائض بن أحمد الجهري عن هذا المخطوط التاريخي وأين هو؟ فذكر أنه لا يعلم عنه شيئاً، وأضاف أنه كان في المسجد بقرية المخض، التي يسكنها آل الجهري، كثير من المخطوطات، وقد فقدت من ذلك المسجد".
    •    هل يعقل أن ابناً لا يعرف عن كتاب ألفه والده، إلا إذا كان الكتاب لم يكتب بعد ؟.
    •    ورد في كتاب "دراسات في تاريخ عسير الحديث" قول المؤلف عن مذكرات جعفر الحفظي في الهوامش عندما نقل أحد الأخبار التي انفردت بها هذه المجموعة ما يلي:
"5 ـ جعفر الحفظي: نقلاً عن محمود شاكر الذي انفرد بالإطلاع على هذه المذكرات"
    •    وهنا نجد إشارة من أحد أهم مؤرخي عسير لتفرد محمود شاكر برؤية مذكرات جعفر الحفظي وحجبها عن الجميع غيره حتى من يوافقون خط إمتاع السامر !.
   والجميل هو أن حتى محمود شاكر الذي نقل عنه المؤلف قد اعترف بأنه نقل المعلومات مشافهةً من بعض أهالي عسير دون التحقق من وجود المذكرات ذاتها.
    •    أورد علي عسيري نقلاً عن عبدالله بن حميد في الدر الثمين قوله أن علي بن عبدالرحمن بن يزيد بن معاوية انتقل إلى عسير وأسس حكم الدولة اليزيدية الذي امتد حتى القرن الثالث عشر، ثم في الحاشية يقول:
"يذكر عبدالله بن حميد أنه حصل على المعلومات السابقة من مخطوط لموسى بن جعفر الحفظي، وللأسف فإني لم أتمكن من الاطلاع على هذا المخطوط رغم اتصالي بآل الحفظي  ومحاولتي الحصول على تلك النسخة أو غيرها".
    •    وهنا إشارة مماثلة للوثائق (الجعفرية) التي لا تخرج إلا بخصوصية شديدة جداً، ثم تختفي.
    •    يقول عبدالله أبو داهش بعد أن عدد مجموعة من الكتب التي وردت كمراجع في هذه المصادر أو من نقلوا منها ما يلي:
"وعلى الرغم من طرافة عنوانات هذه المؤلفات وحسنها يجد الباحث خيبة في العثور عليها، أو اتصاف بعضها بالتوازن الحقيقي مع مستوى الحياة العلمية بجبال السراة"





وهنا سنطرح بالصور نموذج آخر لوثيقة عسيرية سوى التي ذكرناها وهي وثيقة زين العابدين الحفظي التي أشار الأستاذ عبدالله بن حميد رحمه الله عام ١٣٩٥ هـ في مجلة العرب إلى أن أحد الأشخاص أطلعه عليها، والتي حملت أول إشارة إلى وجود الدولة اليزيدية قبل عام ١٢١٤هـ وإلى وجود من أسموه بالأمير/ محمد بن أحمد اليزيدي، وإلى الصلة النسبية بين آل عائض وآل مجثل كأول خبر حمل هذه المعلومات قبل ٤٠ عاماً ، وهذا هو نص الوثيقة التي أوردها في المقال كما جاءت في  كتاب أديب من عسير الذي عني بالنتاج الأدبي والعلمي للأستاذ عبدالله بن حميد:


  

وكما شاهدنا فإن الوثيقة تروي تفاصيل تسلسل نسب عايض بن مرعي الى يزيد بن معاوية وكما وردت لاحقاً في الكتب المزورة بالضبط.
 ونلاحظ أيضاً أن عبدالله بن حميد يقول بأن أحدهم أطلعه على الورقتين ولم يقل بأنها لديه أو أن لديه نسخة منها، وهنا نجد إشارة حذرة من ابن حميد إلى الوثيقة، إذن فالوثيقة لدى أحد المهتمين بالتاريخ العسيري  ويقوم بإطلاع المهتمين بالتاريخ عليها للنقل منها كما فعل مع ابن حميد، إلا أننا وطول الأربعين عاماً الماضية لم نجد من اطلع عليها مرة أخرى فلا زالت مخفية حتى هذه اللحظة، بل إننا وبعد مرور أربعون عاماً على الإشارة إليها نجد الباحث علي عوض آل قطب الذي نبش جيداً في الوثائق العسيرية ولم يترك موقعاً يوجد فيه شيئ منها إلا وطرقه ـ وهو من المؤيدين بقوة لفكرة وجود الدولة اليزيدية ـ يستشهد كثيراً  بهذه الوثيقة عام ٢٠١٣م في كتابه "الأمراء اليزيديون"، ولكن حاله كحال الذين ذكرناهم من الباحثين أعلاه مع هذا الصنف من الوثائق، فقد أعتمد على أخبارها ولكن نقلاً عن ابن حميد في مجلة العرب، بما يعني أنها لم تر النور أبداً ولم يطلع عليها أحد منذ ذلك التاريخ، مثلها مثل تلك التي ذكرناها أعلاه، وهذه مقتطفات من إستشهادات علي آل قطب بهذه الوثيقة عام ٢٠١٣:






وكما شاهدنا في مواضيعنا السابقة فإن الوثائق العسيرية التي يستشهد بها مؤيدوا خط إمتاع السامر لم تتجاوز مجموعة الوثائق أعلاه والتي لم تر النور حتى الآن بالإضافة للوثيقة المنسوبة إلى ابراهيم الحفظي التي سبق أن أوضحنا شواهد التحريف فيها في موضوع مصادر التزوير بالوثائق ٢، ووثيقة الحسن الحفظي الحديثة التي أوضحنا خطأ اعتمادها كوثيقة تاريخية في موضوع المخطوط بين مفهوم الوثيقة التاريخية ومفهوم المدونة الشخصية الخاصة جداً

فالوثائق العسيرية المعروفة مثل اللجام المكين لمحمد الحفظي واالظل الممدود لمحمد العجيلي ونفخ العود لمحمد الحفظي ووثيقة الملك العسيري لعبدالرحمن الحفظي وغيرها تنكر تماماً وجود الدولة اليزيدية وتروي التاريخ العسيري بطريقة مختلفة جذرياً عن السرد الذي إشير إلى أن الوثائق التي ذكرنا أعلاه أوردته.
 وحيث وجدنا أن الوثائق التي ذكرناها أعلاه تمثل جميع الوثائق العسيرية التي ورد عنها أنها تشير إلى وجود الدولة اليزيدية، فقد بحثنا عنها في كل المواقع وبين كتابات مؤيديها، فلم نجد لها أثر فكل منها خرجت مرة واحدة ثم اختفت لعشرات السنين رغم لهف الباحثين عليها، ومع إمكانية تزويرها وعدم استبعاد خروجها لاحقاً، إلا أننا وبكل ثقة نقول بأنها حتى ولو خرجت لاحقاً فقد فقدت مصداقيتها، ولم يعد لها أي اهمية بعد اختفائها كل هذه المدة رغم الطلب الكبير عليها مما يقطع بأنها غير حقيقية.


الأربعاء، 11 ديسمبر 2013

بين التجاهل والتجهيل ... ما خلف الكتابة

   تقدمت إحدى الأسر في عسير إلى المقام السامي بشكوى ضدي ادعت فيها أنني شككت في نسبها وطالبت فيها بسحب كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" من المكتبات ومنع تداوله في المملكة، وإلزامي بالاعتذار لها وللقبائل في المنطقة في الصحف، وإغلاق موقعي الإلكتروني، وقد حضرت إلى الجهات المختصة في بداية الأسبوع وأجبت على الشكوى.
  وبغض النظر عن هذه الشكوى، أو خلافها، إلا أن ما أرغب توضيحه هنا أنني كتبت، وأكتب هنا وهناك، وسأكتب غداً، وبعد غد ليس إلا بدافع حبي لوطني، ورغبة في إيقاف العبث بتاريخه من قبل مجموعة تكتب في الظلام، وأخرى تستند إليها، فتتدخل في الهوية والتاريخ السياسي للوطن بطريقة خاطئة، وبما يشكل خطراً على مستقبله، ولا أرغب في الإساءة لأحد، ولكنني أرى أن عدم العمل على إيقاف العابثين بالتاريخ لمن لديه القدرة على ممارسة ذلك يمثل خيانة للأمانة.
   فالصحيح أن كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار"  لا يوجد به ما يسيء إلى أي قبيلة أو عشيرة على الإطلاق، بل على  العكس من ذلك، فهو محاولة لكشف الستار عن عملية التزوير المنظمة التي تقوم بها جهات مجهولة تحاول تشويه كل شيء جميل فوق هذه الأرض، وتفنيد الأكاذيب التي وردت في مجموعة كتب إمتاع السامر، وتسليط الضوء على الجانب المضيء من تاريخ بلاد السراة قاطبة مما لم يتطرق له أحد وإعادة تقييم المفاهيم المغلوطة حول التاريخ السياسي وقيمة الإنسان والحضارة المادية والمعنوية في بلاد السراة، وإذا كان هنالك من يرون أن إيضاح الأخطاء والأكاذيب التي كانت تصب في صالحهم خطيئة، فإنني أرى أنها في النهاية معلومات خاطئة، لذا فإظهار الحقيقة إذا كانت تتعلق بهوية الوطن وبتاريخه وتوازن هيكله السكاني الموروث هو أمر ضروري مهما كان غير مرغوبا.
ويكفي أن يرى القارئ كيف أنني أحقق في المصادر التاريخية التي أستند إليها قبل اعتمادها، وأقوم باستقراء واضح المعالم للأخبار التاريخية للوصول إلى النتائج المنطقية الموافقة للعقل والمستندة إلى المصادر الحقيقية المعتبرة حول الوضع التاريخي وحول صحة الأخبار، وهو ما يجعل الاستنتاجات مرتبطة بتبرير واضح أوصلنا إليها، ومن ثم فلا مشاحة في أن يرى سواي ممن سيكتب التاريخ غير ما أراه ويحاول اثبات صحة رأيه وخطأ رأيي إذا استند إلى مصادر تاريخية معتبرة واتبع منهجاً واضحاً وصحيحاً في التحليل والاستنتاج، فاختلاف الرؤى والاستنتاجات هو سمة من سمات الكتابة في التاريخ، بل إن الجدل للوصول إلى الحقيقة هو أمر إيجابي عندما يكون المنهج العلمي في الاستناد والاستنتاج هو وسيلة النقاش، ولكن الإشكال يقع حينما تكون الوسائل المتبعة غير نزيهة.  
ورغم أن الكثير من أبناء المنطقة قد أصبحوا على علم بما تحويه هذه المؤلفات والكتب التي استندت إليها من أكاذيب، إلا أنني أعلم أن هنالك آخرين لديهم الرغبة في إيقاف أي نشاط في اتجاه كشف هذه الأكاذيب ممن هم مهتمون بكتابة التاريخ بطريقة خاطئة،  أو من تورطوا بالانضواء في جانب حزب المؤيدين لرواية إمتاع السامر حول فكرة الامبراطورية اليزيدية العميقة المزعومة في عسير، أو من يتم إغراءهم بالمكاسب التاريخية من الأسر أو العشائر المحلية في عسير أو في غيرها من المناطق، فهنالك الكثير من القبائل والأسر في الجزيرة العربية أصبحت ترى في سقوط مجموعة كتب إمتاع السامر سقوطاً لمكاسب أسرية وعشائرية تحققت لهم خلال الفترة الماضية، ومن ثم فهم يدافعون عنها ويهاجمون من يهاجمها، ولا أرغب في الوقت الحاضر في المزيد من الحديث أو عرض بعض المصادر حول هؤلاء الذين أعرفهم وأقرأهم جيداً.
  وقد حاول بعض هؤلاء الإشارة إلى بعض محتويات كتابي بطريقة انتقائية وغير أمينة تهدف إلى تشويه صورة الكتاب والكاتب في عيون الآخرين، وقد وجدت انهم لا زالوا يستخدمون نفس طريقة إمتاع السامر في التظليل والسخرية واستغفال القارئ، إلا أنني لن أجاري هذا الأسلوب في الكتابة، وسأظل أكتب بطريقة تحترم عقل القارئ، ولن أنساق إلى محاولة تحقيق المكاسب السريعة، فلا شك لدي أن الحق سيفرض انتصاره أخيراً ما ظللنا نمسك بمقبضه حتى اللحظة الأخيرة.  
لذا لن استغرب أن يكون هنالك محاولة للّعب بطريقة أو أخرى عبر بعض موظفي بعض الجهات الحكومية في منطقة عسير، أو بعض الجهات الإعلامية، ولكن لا شك أنني سأدافع عن حقي في الكتابة عن تاريخ وطني وفي ممارسة الملاحقة للتزوير، وسأكون هنالك بالمرصاد لكل من يحاول التدخل بطريقة غير محايدة، وأسأل الله العون والسداد.


الاثنين، 9 ديسمبر 2013

المخطوط بين مفهوم الوثيقة التاريخية ومفهوم المدونة الشخصية الخاصة جداً

تعد المخطوطات القديمة وثائقاً تاريخية مهمة، بل هي من أهم المصادر التاريخية التي يعتمد عليها المؤرخون في كتابة التاريخ.
 وهي من الأهمية بحيث أن وجود المخطوط الذي لم يسبق الاطلاع عليه في الكتاب التاريخي يزيد من اهميته بدرجة كبيرة.
 ولكن وهل يمكن اعتبار كل أثر مدون بخط اليد وثيقة تاريخية؟.
لن أعرج هنا إلى التعريفات العلمية للمخطوط أو للوثيقة التاريخية، ولكنني سأناقش عقل القارئ لأنني أحترمه جدا، فأحيانا يكون الأمر من الوضوح بما يغنينا عن الحديث بطريقة رسمية تلتلزم حرفية المعايير، والتطرق للتعريفات السابقة للحالة.
 فمثلاً عندما أتحقق من صحة أن شخصاً ما كتب مدونة تاريخية في منطقة عسير عام ١٣٣٥هـ أو ما قبل ذلك واختتمها بما جرت عليه العادة وأرَّخها ووضع اسمه عليها، فإنني هنا أمام وثيقة تاريخية مكتملة المعالم، ولكن الثقة تقل بمعلومات المخطوط التاريخي عندما لا يختتم الكاتب المدونة أو لا يكتب اسمه أو تاريخ الكتابة، لأنه لم يهيئها للقارئ بوضع اللمسات الأخيرة، ليكون ذلك بمثابة الإذن باكتمال العمل والفسح بالنشر، ويثبت لنا بذلك ثقته في المعلومة ومسئوليته الكاملة عما كتبه.
 ولكن الشرط الأهم من كل ما ذكرناه للاعتراف بالمدونة كوثيقة تاريخية هو أن يتم التحقق من أن المدونة اليدوية سابقة لمرحلة طباعة الكتب في بيئتها، فعندما أجد أن هنالك مدونة يدوية لأي شخص كتبت أثناء انتشار الكتب المطبوعة والمطابع ودور النشر فلا يصح اعتبار هذه المدونة وثيقة تاريخية، ولا يجوز النقل عنها في الكتب التاريخية، لأنها ناهيك عن كونها عبارة عن عمل حديث، فإنها عمل غير مكتمل، ولا تمثل أكثر من محاولة لم تنجح،  أو معلومات غير موثوقة وصلت للكاتب من الآخرين، إذ أن عدم الطباعة والنشر بالطرق المعتبرة في حينه، يعني أن الكاتب لم يكتب للنشر، أو أنه لم يتحقق من صحة المعلومات التي كتبها مبدئياً بخط يده ـ ربما نقلاً عن هذا أو ذاك ـ على أمل التحقق من صحتها لاحقاً فلم يتمكن، لذا لم يقم بطباعتها في كتاب، فاكتمال العمل يكون بنشره من قبل الكاتب بالطرق المعتبرة في حينه، ليكون ذلك دليلاً على ثقته في المعلومة التي قدمها وتحققه من مصادره  والتزامه بالمسؤولية عنها، وإذنا بالنشر وبالقراءة للقراء.
   ومن ثم فلا قيمة علمية لأي مخطوط يدوي حول التاريخ  كتبه أحد المعاصرين للطباعة وطرق النشر المتبعة في العصر الحديث ثم لم يطبع وينشر ككتاب كما جرت العادة.
ومن ثم فإن عرض هذه المدونات بعد وفاة هذا الشخص كوثائق تاريخية ينقل عنها الآخرون يعتبر خطأ يرتكب بحق المتوفي دون أذنه،  إذ أن صاحب الوثيقة كان بإمكانه نشرها إلا أنه لم يتجرأ على ذلك لأسباب قد تتعلق بالرغبة في تلافي تحميل ذمتة مسؤولية الإدلاء بمعلومات لم يتم التحقق من صحتها أمام الله، بينما أقدم سواه على تحميله هذا الوزر.

كما أن إقدام أي كاتب على النقل عن وثيقة كهذه سيكون معيباً لجهده الذي بذله في الكتاب.

  ما أثار لدي الكتابة حول هذا الموضوع هو ما وجدته لدى الباحث / علي عوض آل قطب في كتابه "الأمراء اليزيديون عسير ... تاريخ لم يكتب" حيث اعتمد كثيراً على مخطوط  ذكر أنه "للحسن بن علي الحفظي" وهو ما أطلق عليه : "حولية في تاريخ عسير" ذكر أنه حصل عليها عن طريق ابنه، ونقل عنها الكثير من الغرائب التي لم ترد لدى أي سابقيه من آل الحفظي كمحمد بن هادي العجيلي ومحمد بن أحمد الحفظي وعبدالرحمن الحفظي ولا حتى وردت في وثيقة الحولية الأخرى حول تاريخ عسير التي أوردها، والتي كانت بدون مؤلف.
وبالبحث عن كاتب المخطوط وجدت عنه التالي:
"الحسن بن علي الحفظي
هو الحسن بن علي بن محمد بن حسن بن عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن عبدالقادر الحفظي من مواليد عام ١٣٤٥هـ ببلدة رجال، نشأ في بيت علم وفضل وتلقى تعليمه في المدرسة الحكومية وتوفي عام ١٤٠٦هـ"
 أي أنه عاش حتى عام ١٤٠٦هـ، ومن ثم فإنه قد عاصر مرحلة الطباعة قبل وفاته بفترة طويلة، بل إن أحد آل الحفظي من أبناء عمومته طبع كتاباً في مطابع مازن بأبها عام ١٣٩٣هـ وهو كتاب محمد بن ابراهيم الحفظي "نفحات من عسير"، كما أن الكاتب عاصر مرحلة التظليل التاريخي وتزوير الكثير من الكتب التاريخية التي حملت الكثير من المعلومات الخاطئة، ومن ثم فإن ما ورد فيها من معلومات غير مسبوقة هي محل شك بدرجة عالية، ولا يصح الاستدلال بها من كل النواحي، خاصة وأن الكاتب لم يتجرأ على طباعتها مما يدل على أنه ربما تلقف المعلومات مشافهة من بعض المتحمسين لأفكار محددة ودوَّنها، أو أنه حصل عليها من مصادر غير معروفة، ولكنه لم يصل للثقة بما دوَّنه فتحاشى التورط بطباعتها ونشرها، ومن ثم فإن هذه المدونة لا تمثل وثيقة تاريخية ينقل عنها رأي المذكور، ولا يمكن الاستفادة منها في أكثر من معرفة خط كاتبها رحمه الله لو ظهر له مدونات أخرى للمقارنة والتحقق، أو كذكرى لدى أبنائه.
ومن الغريب الزج بمثل هذه المدونة واعتبارها وثيقة تاريخية في بحث أكاديمي.

الاثنين، 2 ديسمبر 2013

إنموذج للوثائق التاريخية في عسير

قلت سابقاً بأن الوثائق العسيرية لم تعد مؤتمنة على التاريخ العسيري، فيما عدا تلك الثابت كتابتها  قبل منتصف القرن الثالث عشر للهجرة، وهنا سنلقي نظرة على واحدة من الوثائق التي ورد ذكرها في أحد المصادر الحديثة وندرس حال هذه الوثيقة.
  فقد أورد الباحث / علي عوض آل قطب في كتاب "الأمراء اليزيديون  عسير ... تاريخ لم يكتب" ضمن الوثائق التي استدل بها وثيقة كتبت في تاريخ ١٢٤٦هـ أي قبل حوالي مائتي عام وتمثل ورقة صلخ بين قبيلتين من قبائل تهامة عسير وهذه هي الوثيقة:

هذه الوثيقة التي أوردها الباحث في كتابه تمثل في الحقيقة مفاجأة حقيقية، لأنها لم تخرج إلا متأخرة، رغم أنها تؤرخ وبدقة لغزوة دوغان، ولوجود منصب "خليفة الأمير" (أي نائب الرئيس أو ولي العهد حسب الأنظمة الحديثة)، وبغض النظر عن نقاء الخلفية والذي لم نعهده في الوثائق المجايلة، وبغض النظر عن اختلاف وضوح الخط بين مفردة وأخرى وتباين الحبر بدرجة عالية يفترض عدم وجودها بهذه القوة مع مرور كل هذه السنين، وعن كل شيء حول جمال الخط واحترافيته، فإننا سنعرج إلى الملاحظات حول النص ذاته وملابسات الحدث ومنها :
١) الوثيقة عبارة عن صلح بين قبيلتي بني جونة وبني عبد (شحب) وهما من قبائل تهامة عسير، ويحدد الحدود الفاصلة بينهما إثر حدوث غزوات ومشاكل بين القبيلتين حول الحدود (حسب النص)، ولكن ذلك كان أثناء وجود الجيش العسيري خارج المنطقة وبالضبط في تهامة اليمن "بلاد الصليل (الصهاليل)"، والجيش العسيري عادة ما كانت تساهم فيه قبائل المنطقة بشكل مقنن، ومن المفترض وحسب حجم القبيلتين المذكورتين والتان تمثل كل منهما واحدة من سبع قبائل في رجل ألمع والتي كانت تساهم بعدد سبعمائة مقاتل في الجيش العسيري أي أن كلا منهما ساهمت بعدد مائة رجل يفترض أنهم من أفضل رجال القبيلة شجاعة وعقلاً، ومن يعرف العادات القبلية في منطقة عسير يعرف استحالة أن يحدث صلح بين قبيلتين في مثل هذه الضروف، فمن أسوأ الأمور المثيرة للفتن والتي يتحاشاها الناس في عسير عادة، "السفهة"، وهي تعني الاستصغار أو الاستهتار أو الاحتقار للشخص وقيمته، كأن تجتمع القبيلة للتشاور في أي أمر دون أحدها، وقد تحدث الكثير من المشاكل ممن يتعرض لشيئ كذلك، فعادة ما يعترض المستثنى من هذا الاجتماع بصوت عالي ويحتج على سفهه، مما قد يثير فتنة، وقد يعترض المستثنى على الرأي ويفسده أو تقوم القبيلة (بالحق) جراء ذلك، ولكننا هنا أمام عملية تجاهل (سفه) لمجموعة كبيرة من كبار القوم مكانة وشجاعة ونشاطاً!.  فكيف تجرأت القبيلتان على توقيع اتفاقية بهذه الأهمية دون وجود مائة رجل من خيار كل منهما؟.
٢) الوثيقة تحمل إشارات واضحة الدلالة التاريخية مثل تحديد تاريخ الحرب بالسنة والشهر وربط ذلك بحدث تاريخي وهو معركة دوغان، كما تحدد اسم الرجل المكلف بمهام الأمير بن مجثل في غيابه، بل والأغرب أنها تطلق مسمى "خليفة" ذو الدلالة التاريخية الإسلامية المعروفة، وهو ما لم نجد أثراً له في كل الوثائق العسيرية الأخرى، ونجد ذلك في قول "بنظر عايظ بن مرعي خليفة علي ابن مجثل في غزوة دوغان سنة ست وأربعين ومائتين وألف في شهر رجب"، وهذه القصدية التي تشير بهذا الوضوح إلى دلالات تاريخية على درجة عالية من الأهمية، غريبة في ظل وثائق عسيرية وعثمانية مجايلة معظمها مبهمة لم تحمل حتى التاريخ.
٣) من الغريب أن يطلق الناس في عسير على الحرب المزمع خوضها في تهامة اليمن هناك اسمها التاريخي قبل عودة الجيش، علماً بأن مسمى "دوغان" ليس مسمى منطقة أو مدينة او قبيلة ذهب الجيش العسيري لغزوها، بل هو مسمى أحد قصور "الكلفود" (شيخ قبائل الصليل)، والذي لجأ إليه في نهاية الحرب فحاصره الجيش العسيري فيه.
٤) حسب هذه الوثيقة فإن عائض بن مرعي كان على درجة عالية من الأهمية في الإمارة العسيرية لدى الأمير علي بن مجثل بل ربما كان ولي العهد والقائم بأمر الإمارة إلى جانب علي بن مجثل فهو الرجل الأهم بعد الأمير، ومن المفترض أنه أقرب الناس وأهمهم لديه، ولكننا نجد أن الأمير علي بن مجثل يتجاهل وجوده فيما وجدناه من رسائله حيث نشر د. عبدالله أبو داهش رسالة منه إلى أهم علماء عسير في حينه وكان ذلك مع بداية انتشار صيت الإدريسي (أي في آخر أيام الأمير علي بن مجثل)، فقد أشار ابن مجثل في الرسالة إلى سبعة من أعيان عسير على رأسهم "محمد بن مفرح" الرجل الثاني فعلا في حينه ـ كما تدل الوثائق التاريخية الأخرى والاحداث التاريخية ـ بالإضافة لستة من الأعيان الذين ناب عنهم الأمير في إبلاغ السلام إلى علامة عسير في حينه "إبراهيم بن أحمد الحفظي" الذي كان يقطن تهامة (قرية رجال)، بينما لم يكن بينهم "الخليفة" المفترض، وهذا نص الوثيقة كما أوردها الأستاذ عبدالله أبو داهش:


وهذه نسخة من الوثيقة:

٥) والأغرب من كل ذلك أن محمود شاكر وخير الدين الزركلي (غير رأيه وأيد الرأي لآخر بعد اطلاعه على مذكرات سليمان باشا)،  ومثلهم الكثير من مؤرخي عسير قد انبروا للرد على الريحاني ووهبة (قبل تحقيق مذكرات سليمان باشا)، وانكروا  عليهما ما أورداه من ان عايض بن مرعي كان في أول عهده راعيا ولا صلة له بأسرة الحكم، ولكن أيهم لم يستشهد بهذه الوثيقة ليدعم حجته، مع أنها كانت موجودة لدى "أستاذ" - حسب وصف الباحث - يفترض أنه مهتم بالشأن الثقافي في بلاد عسير ومتابع لكل ما يدور فيه، ولكنه لم يتكرم على المعترضين بهذه الوثيقة في الوقت المناسب لدعم موقفهم، وهو يراهم يشرقون ويغربون باحثين عن أي نص يساندهم.

وهنا سأترك للقارئ الحكم على هذه الوثيقة وعلى ما أوردته في كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" حول ضرورة توخي الحذر عند التعامل مع الوثائق العسيرية، لأنها لم تعد مؤتمنة على التاريخ العسيري.