الاثنين، 30 سبتمبر 2019

ما جاء عن إمارة أبناء الأمير علي بن مجثل على عسير


   كنت قد تطرقت لامارة ابن الأمير علي بن مجثل على عسير بعد وفاة ابيه في كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" نقلا عن مصادر معاصرة، وقد تحدث معي الكثير وتواصل معي الكثير حول ذلك، لذا فهنا سيكون ايضاح الوضع بشكل كامل، وستكون المصادر العسيرية حاضرة ايضاً.

   المتابع لما كتبه مؤرخو عسير في القرن الماضي والمعاصرون ينتابه الدهشة من غرابة بعض الأخبار ووجود حوادث وإمارات تجاهلها مؤرخوا عسير بينما كانت تطل معالمها بين ثنايا أخبارهم أو في أخبار معاصريها القادمين من الخارج.
 فالبعض قد يندهش من خبر عابر كتبه عبدالرحمن الحفظي (من اعيان القرن الثالث عشر الهجري) في حوليته، ونقله أحد أحفاده، ونشر في كتاب "مجموع في تاريخ عسير"، حيث أرخ الحفظي لوفاة سعيد ابن علي بن مجثل في نهاية شوال من عام 1261 هـ واطلق عليه الأمير الهمام سعيد ابن الأمير علي بن مجثل !
وهذا هو النص من نفس الكتاب ص234:

   فلماذا اطلق الحفظي على سعيد بن علي بن مجثل لقب (الأمير الهمام)، بينما لم يكن يطلق لقب (الأمير) إلا على أمير عسير فقط ولم يكن هنالك ألقاب تشريفية أميرية لأسرة الامير في تلك المرحلة، فلم نجد شيئا من ذلك في المؤلفات العسيرية.
   ويمكن ملاحظة ذلك في كامل الكتاب، ومن ذلك ما جاء غير بعيد من الخبر السابق، في الصفحة 237 من نفس المصدر، وفي احداث عام 1268هـ عندما أطلق على أخيه / عبدالله بن علي بن مجثل اسمه بدون أي ألقاب وبالمثل أطلق على / محمد بن عايض  في عصر وجود ابيه في السلطة اسمه دون أي ألقاب.
 وهذا هو النص:


   فهل كان سعيد بن علي بن مجثل اميرا لعسير قبل وفاته !؟

   عندما نعود لمرحلة ما بعد وفاة الأمير علي بن مجثل سنجد أن  أحد معاصري هذه المرحلة وصف عايض بن مرعي ما بعد وفاة علي بن مجثل بعبارة (حاكم مؤقت لعسير)، ثم أشار لتعيين ابن علي بن مجثل أميرا لعسير. 
   فقد أورد تاميزيه في كتاب "رحلة في بلاد العرب"، اخبارا جيدة عن الوضع، ولكنه لا شك لم تكتمل نصوصه، وكان هنالك نقص في النصوص عما هو مشار اليه في عناوين الترجمة، فمثلاً نجد هنا نص لم يتم ترجمة تفاصيله بشكل كامل، حيث ورد ضمن عناوين مواضيع الفصل الأول عبارة "عايض بن مرعي حاكما مؤقتا لعسير"، بينما لم نجد التفاصيل فعلا في نفس الفصل.
 وهذا هو العنوان متضمنا العبارة:

   وقد أشار محمد خير البقاعي المختص في المصادر الفرنسية إلى حاجة الكتاب إلى إعادة الترجمة، (انظر موضوعي في المدونة:  ما لم يترجم من المصادر الفرنسية عن الجزيرة العربية ـ محمد خير البقاعي)، ولعل ذلك يعود إلى أن ترجمة الكتاب ـ كما يذكر المحقق ـ تمت على مراحل، حيث طلب المحقق من مجموعة من الاساتذة في احدى الجامعات الامريكية ترجمة الكتاب للانجليزية، ثم قام المحقق ذاته بالترجمة من الانجليزية للعربية، ولا شك أن مثل هذه العملية يحدث فيها الكثير من الاخطاء.
   ولكن الجميل أنه أتي في نفس كتاب تاميزيه ، في موقع آخر، نص صريح واضح يفيد بإقامة العسيريين لابن الأمير علي بن مجثل أميرا على عسير، واستمرار عايض بن مرعي في تسيير الأمور، وهذا النص يؤكد لنا بوضوح مفهوم الاشارة العرضية السابقة، الواردة في مخطوط عبدالرحمن الحفظي.
وهذا هو النص من نفس كتاب تاميزيه:

   وبعد ذلك من الطبيعي أن نتساءل ...!، من هو الامير الصغير الذي خلف أباه مباشرة ؟ وكم استمر حكمه واين ذهب ؟ هل كان سعيد نفسه أم سواه ؟ ولماذا لم يورد مؤرخو عسير عنه شيئا ؟ ومن هم أبناء علي بن مجثل ؟ ومن أكبرهم ؟.
   بخصوص أبناء الامير علي بن مجثل، فهنالك تضارب في الأخبار حول عدد أبنائه، إذ يذكر محمد بن زلفة أن لديه ابنان هما عايض ومحمد، بينما يرفض علي عوض آل قطب وجود عائض ويضيف لمحمد سعيد وعبدالله، ويحيل ما جاء في رسالة علي بن مجثل لمحمد الحازمي عندما قال في نهايتها "ومن لدينا الولد عائض، ومحمد يسلمون عليكم" إلى احتمال أنه يقصد بعض رجاله من آل يزيد، وهم عايض بن مرعي ومحمد بن مفرح، وانه استخدم كلمة الولد نظرا لاحتمال فارق السن بينه وبين عايض ومحمد، ولم أر آل قطب يستند إلى أي نص يشير إلى اقتصار ابنائه بعده على الثلاثة الذين ذكرهم، بل هو يحيل لنصوص تذكر كل منهم على حدة،  كما لم أجده يحيل الخبر إلى أحفاده تواترا.
ورغم عدم أهمية ذلك فيما نحن بصدده، إلا أن الحق أن اشارة علي بن مجثل ألى الولد عائض ومحمد لا يمكن أن توجه إلا بقصد أبنائه هو إذ لا يستخدم مصطلح الولد للاشارة لغير الابن في اللهجة المحلية بعسير، أما غير الابن فيقال له: الغمر (غالبا)، أو الفتى، أو السفيه، أو الغر، كما أنه لا يشار للغريب بالاسم المفرد، فالأصح أن يقول: الولد عايض بن مرعي ومحمد بن مفرح، ولا يقتصر بالاسم مفرداً إلا للابن، والاهم أن افتراض الاستاذ علي آل قطب لذلك بني على أن هنالك أسرة حكم يزيدية ينتمي إليها كل من ابن مجثل وابن مرعي وابن مفرح، كما أورد كيناهان كورنواليس، لذا فمن الطبيعي أن يشير لهما باسم الولد، وهذا خطأ، فليس هنالك أي صلة نسبية بين هذه الأسر، فعائض بن مرعي لم يكن ذو صلة بأسرة علي بن مجثل، كما وصفه سليمان شفيق باشا (متصرف عسير 1326 ـ 1330هـ) في مذكراته، فقد ذكر صراحة أنه لا ينتمي إلى سلالة الامراء.
 وهذا هو النص:

بل انه أشار في نص آخر بما يفيد بانفراد عائض بن مرعي بالانتماء اليزيدي، وخصص الانتماء اليزيدي بآل يزيد الشعف، وأشار لدعوى آل يزيد الانتماء ليزيد بن معاوية، وأنهم لا يملكون أي وثائق تشير لذلك سوى تداوله بينهم، وقولهم أنهم توارثوه.
وهذا هو النص:

   
   ومن خلال ما تقدم فنحن نفترض بأن أبناء علي بن مجثل كانوا أربعة: أكبرهم عائض، ثم محمد، ثم سعيد، وعبدالله، وربما كان لديه عندما أرسل الرسالة طفلان فقط، وهما عائض ومحمد ثم أنجب سعيد وعبدالله لاحقا خلال السنوات التي عاشها بعد ذلك، أوربما أن عائض ومحمد كانوا يعقلون، لذا اختصهم بالذكر، بينما سعيد وعبدالله (أو أيهما في حينه) كانوا اطفالا صغارا لم يميزوا بعد.
ومن ثم فإن الراجح لدينا أن عائض بن علي بن مجثل قد تولى السلطة في البداية ـ بصفته الأكبر سناً ـ تحت وصاية عايض بن مرعي، إلى أن توفي.
 وحيث لم نجد خبر وفاته في المصادر العسيرية المعاصرة حتى الآن، فنقول لعله توفي مبكرا، وربما كان حينها لم يصل سن الرشد بعد، فتم تنصيب أخيه سعيد بن علي بن مجثل أميرا لعسير من بعده، والذي استمرت امارته إلى عام 1261هـ، ومن ثم كان خبر وفاته بعد أن وصل سن الرشد ومارس الإمارة حدثا ذا اهمية، مما جعل عبدالرحمن الحفظي يدونه ويشير اليه باسم الأمير، والذي هو ـ كما أسلفنا ـ لقبا خاصا بمن يتسنم الإمارة في عسير، وليس لسواه حتى من أقرب أقاربه.

   واذا كان قد تأكد لنا تتويج سعيد بن علي بن مجثل أميرا لعسير، وترجح لدينا تتويج أخيه عائض قبله، فإننا لم نجد ما يدل على مرحلة ما بعد سعيد، فهل تتوج أحد إخوته بعده، أم أن الامر ترك نظرا لوفاة الأميرين، ودخول الشرعية العثمانية على خط السلطة في عسير.
   كما لم يصلنا من المصادر العسيرية المعاصرة ممن اطلعوا على وثائق عسير القديمة، ما يعطي فكرة عن مدى ممارسة سعيد السلطة الفعلية قبل وفاته ، حيث أن قول عبدالرحمن الحفظي عنه (الأمير الهمام) يحمل دلالة على أنه مارسها، فكم المدة ؟.
أتمنى أن نجد جواب ذلك قريبا حين الافراج عن المزيد من الوثائق العسيرية بشكل أفضل.

   ويبدو أن عايض بن مرعي خلال مراحل ما قبل وفاة الأمير سعيد بن علي بن مجثل قد حاول تجاوز الشرعية المحلية التي فقدت، أو كانت على وشك انتهاء الصلاحية، إلى محاولة الحصول على الشرعية الخارجية لسلطته ـ التي ترسخت خلال سنوات وجوده مسيراً لأمورها ـ من الدولة العظمى في حينه وهي الدولة العثمانية.
   فالوثائق العثمانية تشير إلى أنه قد وسط شريف أبي عريش،  للتقدم إلى شريف مكة، للتوسط له لدى الباب العالي، لاصدار فرمان بتعيينه شيخا على عربان عسير، كما بعث الرسائل لشريف جدة ولشريف مكة، وكل ذلك كان في سبيل الحصول على الشرعية من الدولة العثمانية خلال مرحلة ما قبل وفاة الأمير سعيد بن علي بن مجثل بحوالي ثلاث سنوات وهذا نص أحد مراسلات الدولة العثمانية التي تدل على ذلك:


وقد صدرت فعلا الموافقة من المجلس الأعلى بتعييين عايض بن مرعي شيخا لعربان عسير، وهذا نص الفرمان أدناه: 



   لذا فلا عجب أن صراعا وخلافا حدث في عسير بعد وفاة عايض بن مرعي حول من يتسنم السلطة بعده، حيث انقسم الناس بين من يرى تنصيب اي من: ابن علي بن مجثل (لم يذكر اسمه في الوثيقة) أو محمد بن مفرح، وبين من يريد تنصيب محمد بن عايض.
وهذه صورة الوثيقة:


   وفي النهاية نأمل أن تخرج المزيد من الوثائق العسيرية التي تعطينا المزيد من التفاصيل عن إمارة أبناء علي بن مجثل، وانصاف تاريخهم.
   وقد وضعت هذه اللمحة مبدئيا هنا في محاولة للفت الانتباه.
   ولي عودة للموضوع ضمن سواه في موقع آخر إن شاء الله.
هذا والله الموفق