الأربعاء، 17 نوفمبر 2021

"عسيري" أم "العسيري"

عسيري أم العسيري ال التعريف استخدمت في اللغة العربية لتعريف الأسماء النكرة، وللوصل لتمييز الصفات، وهي تأتي مع ياء النسبة عند العرب فيقال علي القرشي ومحمد الهاشمي وسعيد الثقفي وهكذا، ولكنها لا تستخدم مع الأسماء غير المختومة بالياء حتى ولو كانت نسبية فيستخدم بدلا منها (ابن) فيقال علي بن هاشم، وقد تستخدم (آل) فيقال مثلاً محمد آل حاتم، وهكذا، وهذا هو الأصح على العموم، إلا أن اللهجات تأخذ طابعا مختلفا في بعض الأحيان فمثلا في الشام لا يستخدمون ال التعريف مع ياء النسبة في بعض الحالات، لذا نجد أسماء أعلام ومثقفين كـ"نزار قباني" و"غسان كنفاني" و"حسام عيتاني" و"عصام سخيني" وهكذا، ومثله نجد في بعض الحالات في مناطق تهامة أو غيرها، والأمر لا يحمل فرقا من حيث القيمة المعنوية أو الأصالة لمن حمل هذا الاسم أو ذاك. ومن الملاحظ أن قبيلة عسير بالذات في المملكة العربية السعودية يحمل جزء من أبنائها اسم القبيلة في بطاقة الأحوال بدون أل التعريف فيقال "منصور عسيري" أو "سعد عسيري" وهنالك من يحمل أل التعريف في اسمه فيقال منصور العسيري أو سعد العسيري. والغريب ان هنالك أسر تتنوع في حمل الاسم، ومن ذلك أسرتي، فوالدي اسمه "احمد العسيري" هكذا في بطاقة احواله وفي حفيظة نفوسه الصادرة عام 1384هـ، ومعظم اخوتي يحملون أل التعريف في أسمائهم، بينما انا وأحد أخوتي وأخواتي لا نحمل ال التعريف، وكنت قد تقدمت إلى الأحوال المدنية عدة مرات لمساواة الاسم بوالدي، لدواعي توحيد المسمى وللنواحي القانونية، إلا ان الإجراءات كانت معقدة، وفي كل مرة يكون هنالك عائق ما. والحق أني لا أجد فرقا بين أن يقال لي العسيري أو عسيري، فكلاهما سيان، إلا أنني أفضل استعمال اسم "العسيري" في تدوين اسمي على كل ما اكتبه، وكل ما في الأمر أنني أضع الاسم الذي أتوقع أن يبقى لأنني بصدد التصحيح، وسأظل كذلك إلى أن يصحح الاسم. ولكني أشعر أحيانا بأن من يقرأ اسمي في البطاقة يعتقد أن الموضوع يحمل هما بالنسبة لي، بل إني وجدت أن من يحمل لي الحنق يتعمد استعمال اسم "عسيري" بدلا من "العسيري" ومن يحمل لي الود يستعمل اسم العسيري ظناً من الطرفين أن الأمر ذا بال، وعلى العموم لكلٍ أن يدعوني بالإسم الذي يرغب، فلا مشكلة لدي، وأذكر أثناء العمل ان أحد المراجعين عندما ذكرت له اسمي بدون ال التعريف أخذ يخبرني عن خطأ قول اسم القبيلة بلا أل التعريف، فقلت له من باب الدعابة بأن التعريف للاسم النكرة أما المعروف فلا يعرف. وقد ثار التساؤل بين العسيريين عن أسباب ذلك، فكانت التفسيرات مختلفة، فهنالك من يدعي بأن هذا النمط موجود في تهامة، والجزء الأكبر من قبيلة عسير خارج المنطقة هم من تهامة عسير، فطغى نمطهم على الجميع، وأما آخر فقد فسر الأمر بأنه راجع لكون عسير اسم منطقة، فظن الجميع أنهم يحملونه نسبة إلى المنطقة، ومن ثم لم يتم التعامل مع الاسم كاسم قبلي في المناطق الأخرى، وبالتالي خرجت حفائظ النفوس للعسكر الذي يحيلون اسمهم الى عسير بدون أل التعريف. وقد وجدت ان هنالك من أصبح يلمز قبيلة عسير بذلك، مع أنه أمر لا أهمية له بالنسبة لكل من عرفتهم من العسيريين، هذا رغم تساؤلهم عن السبب في ذلك، خاصة وأن أسماءهم القبلية المحلية التي يحملها بعضهم، لا بد أن تحمل أل التعريف ولا تنطق ولا تتداول بينهم ولا تكتب إلا كذلك، مثل المغيدي، والعلكمي، والمالكي، والرفيدي والالمعي وما إليها. بينما عندما يتعلق الأمر بالقبيلة الأم فستجد جزء كبير بدون أل التعريف!. للتعمق في أبعاد وأسباب هذه المسألة، وبداياتها سنعود إلى بدايات العهد السعودي الحديث، في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، ونتجول بين الأسماء في تلك المرحلة، لنجد بأن أل التعريف لم تكن حاضرة في الأسماء المدونة بنفس الدرجة التي شاعت في مرحلة لاحقة، فكل القبائل والأسر الأخرى كانت تدون بدون ال التعريف، فقد وجدت بعض القوائم الدالة على ذلك، ومنها قوائم شهداء الجيش السعودي في حرب 1948هـ مثلاً، فقد كانت الأسماء القبلية في بيانات الأسماء التي دونت في نفس المرحلة، معظمها بدون ال التعريف مثل: "غانم قحطاني" و"محمد شهري" و"حامد شمراني" و"علي قرني" و"سعد عسيري" وهكذا !. صور لقوائم أسماء شهداء حرب 1948م من الجيش السعودي رحمهم الله.
وحتى أسماء الأسر في المملكة العربية السعودية لم تكن تنطق بأل التعريف، فيما عدا من تحمل ياء النسبة أو الأسماء الوصفية الدالة على صفة كالطويل او العريض أو الخياط وهكذا. فقد كانت الأسماء الأسرية كلها في المملكة تنطق بنفس الطريقة، فيقال ابن سعيد وابن سويد وابن سويلم وأبن حسين وهكذا، ويكفي ان ننظر إلى كتاب ابن غنام أو ابن بشر لنرى ان الأسماء الأسرية كانت تنطق بدون ال التعريف، وهو النمط العربي القديم للأسماء، الى ان أضيف لها ال التعريف في حفائظ النفوس، فأصبحت تبدو وكأنها وجدت كذلك، وبرفقه أسماء طلبة العلم على يد المشايخ عام 1355هـ في مدينة الرياض، ونلاحظ أن الأسماء على وجه العموم تنطق بدون ال التعريف فيما عدا الحالات الخاصة كالتي حددناها.
لذا فمن الواضح أنه تم تنظيم طريقة تدوين الأسماء، واضافة أل التعريف بشكل جيد إلى أسماء القبائل والأسر مع بداية انشاء إدارة الجوازات والجنسية وإصدار حفائظ النفوس، ومن ثم فإن كلاً أضيف لاسمه أل التعريف، ما عدا جزء من العسيريين لم يضف لأسمائهم ال التعريف، فظلت أسماؤهم القبلية في هوياتهم مرتبكة، والأسباب ربما تتعلق بتصنيف اهالي بعض المناطق الأخرى أو الموظفين الانتساب لـ "عسير" كانتساب إلى منطقة لا إلى قبيلة. ومن ثم نقول للعسيريين وغيرهم ممن يتساءلون عن هذا الاختلاف: "كلنا في الهوى سوى"، وتظل الأسماء دالة على أشخاصنا وأسرنا وقبائلنا، ولا قيمة لها ولا لطريقة نطقها إلا بما كان للأشخاص ذاتهم من قيمة.