الاثنين، 13 فبراير 2017

الخلط في المسمى: "عسير" ... بين المفهوم القبلي والسياسي - دراسة خاصة


الخلط في مفهوم المسمى "عسير" التاريخي ... بين مفهوم القبيلة والإقليم والإمارة العسيرية   
عسير حسب مفهومه التاريخي الحديث هو اسم لإقليم واسع عريض يشمل كامل مناطق الجنوب السعودي الأربع (عسير، الباحة، جازان، نجران)، وقد أصبح الإسم حالياً خاصا بإحدى هذه المناطق حسب التقسيم الإداري في المملكة العربية السعودية والتي تمثل المنطقة الأكبر بين هذه المناطق، ولكن هذا المسمى بمفهومه القديم لم يكن يعني كامل الإقليم أو المنطقة في العصور القديمة، فهذا الإسم كان يطلق على قبيلة واحدة من قبائل المنطقة، وهي التي تقيم حوالي مدينة أبها وتمتد غرباً في تهامة، فقد كان يطلق على الشريط الجبلي الأوسط من الإقليم فيما بين الطائف واليمن مسمى "الحجاز" وعلى غورها الغربي مسمى "تهامة" والسهول الشرقية مسمى "نجد"، بينما عرفت المنطقة إداريا باسم جرش، وكانت عسير من بلاد عنز بن وائل المرتبطة بجرش مباشرة.
  إلا أن شهرة هذه القبيلة (عسير) وحضورها التاريخي القوي ـ كما تشير الأحداث التاريخية ـ منذ القرن السادس للهجرة، ثم الدور الريادي لها ولأمرائها منذ بداية القرن الثالث عشر، وامتداد أمرائها منذ عام 1217هـ على مناطق واسعة امتدت إلى مكة المكرمة شمالا وإلى المخا جنوباً، وإلى ما بين وادي الدواسر وسواحل البحر الأحمر، في أقصى مراحل توسعها، كل ذلك جعل مسماها أكثر تداولاً خارجها في الإشارة إلى الأحداث السياسية في الإقليم، إلى جانب الدلالة على القبيلة ذاتها، فترسخ في ذاكرة المؤرخين تدريجياً للدلالة على كامل الإقليم سياسياً، وأسقط ذلك على مفهومها القبلي، فأصبح هنالك خلط بين عسير القبيلة وعسير الإمارة جعل الكثير من المصادر التاريخية تخلط في مفهومها القبلي، وفي حدودها، وفي بطونها، وعلاقتها ببقية القبائل في المنطقة، مما سبب ارتباكا مستمرا منذ بداية القرن الثالث عشر إلى الآن حول دلالة المسمى في المصادر التاريخية.
وفي هذه النبذة المختصرة سنسلط الضوء على هذا الجانب لتوضيح الصورة وملابساتها وما يحدث من أخطاء، رغم الحذر الشديد الذي نتوخاه حول الكثير من الأمور فيما يخص حساسية التطرق إلى الآخرين بما لا يرضيهم.
   فالحقيقة هي أن عسير قبيلة حقيقية محددة الوطن والنسب ظلت تحتفظ بعصبيتها الخاصة وبوحدتها القبلية عبر التاريخ، فناهيك عن ذكرها في كتب الأنساب كقبيلة حقيقية منذ أول كتب الأنساب في القرن الثاني للهجرة، فإن وحدتها القبلية تبدو جلية من طريقة سرد الهمداني لبلادها في بداية القرن الرابع للهجرة، حيث كانت إشاراته إلى القبائل أثناء وصفه لإقليم جرش ولبلاد عنز بن وائل متقطعة إلى أن يصل إلى عسير فيسرد بلادها كاملة كمجموعة واحدة ثم يقول: هذه ديار عسير من عنز، أو يقول: أما ديار عسير من عنز فهي كذا وكذا ... إلخ، وذلك كان حال الأشعري الذي أفرد لها عنواناً ومساحة كبيرة في كتابه أورد فيها بطونها وفروعها المعروفة في وقته محدداً نسبها إلى رجل اسمه عسير، كما نجد ذلك من خلال مراسلة عبدالله بن علي المؤيدي لأعيانها في القرن العاشر في بداية قراره اللجوء إلى بلاد السراة، حيث يذكر أنه عندما وصل لدرب ملوح في تهامة بدأ أولاً بمراسلة "شيوخ عسير" في السراة، مما يدل على شهرتها وأهميتها في تلك المرحلة، كما أنه يدل على وحدتها القبلية، حيث راسلها كاملة كمنظومة واحدة ولم يكتف بمراسلة أي فروعها القريبة من موقعه، ثم في نفس الوقت الذي لم يتجاوب معه العسيريون منذ البداية واكتفوا بتوفير الحماية له وتوجيهه إلى ناحية أخرى، فإننا نجد أنه لم يتعامل معه أحد من أي فروع قبيلة عسير بعد ذلك أثناء وجوده مجاوراً لهم، مما يدل على وحدة قرارها وتوجهها، كما أن مما يدل على أهمية هذه القبيلة أن طريق حجاج اليمن كان يمر بخط مستقيم من ظهران الجنوب إلى أن يصل ذهبان ثم ينكسر باتجاه الغرب ليقف ببلاد عسير حيث يقيم حجاج اليمن سوقا لعدة أيام  في قرية آل "الطحل" يسمى "سوق العصبة"، ثم يرحلون باتجاه الشمال إلى الطائف، وهو ما يدل على أهميتها ودورها الاقتصادي الهام.
   ونجد دلالة ذلك أيضاً فيما نقله "فيلكس مانجان" عندما ذكر أن عبدالعزيز ابن سعود فرح بحضور أبو نقطة أمير ربيعة (ربيعة ورفيدة) ـ وهي أحد بطون قبيلة عسير ـ نظرا لما تتمتع به قبيلته من قوة ومكانة ونفوذ، (يرى علي آل قطب أنه يقصد قبيلة "عسير" في العموم)، وهذا صحيح إذ أنه أصبح أميرا لقبيلة عسير فقط مباشرة.
  كما نجد دلالة حضور هذه القبيلة وشهرتها عندما قامت الإمارة العسيرية في العصر الحديث عام 1214هـ، حيث امتدت هذه الإمارة في عهد محمد بن عامر أبو نقطة على بلاد قبيلة عسير فقط، واستمر الحال كذلك حتى وفاته عام 1217هـ كما ورد لدى المؤرخين (انظر هاشم النعمي وغيره)، ورغم ذلك فقد كانت "طبب" ـ عاصمة عسير حينه ـ ملاذا لأنصار الدعوة في المنطقة في هذه المرحلة، إذ يذكر جحاف أن أمير أبي عريش "علي بن حيدر" قد حضر إلى طبب عام 1215هـ مدعيا مناصرة الدعوة، ومحرضا لأمير عسير (أبو نقطة المتحمي) على غزو خصمه في تهامة "عرار بن شار"، كما استنصر به أنصار الدعوة في تهامة ضد أبي مسمار عام 1216هـ‘، وكل ذلك كان قبل أن يشن أي حرب، مما يدل على ما تتمتع به قبيلته (عسير) من مكانة وأهمية وحضور.
   وحتى عندما بدأ توسيع حدود نفوذ الإمارة العسيرية في عهد عبدالوهاب بن عامر حين تمكن من مد نفوذ إمارته على ما بين المخا ومكة، فقد انحصر المشاركين في جيشه بشكل رئيسي إلى نهاية عام 1219هـ في قبيلة عسير (سراة وتهامة) فقط، وهذا ما ورد في إحدى الوثائق العسيرية التي تدل على ذلك حيث ذكر محمد بن هادي العجيلي في أحداث غزو عبدالوهاب المتحمي والجيش العسيري تهامة ومكة عام 1218هـ والتي دخل فيها مكة ما يلي:
"ولما اجتمعت لهم الأهبة قالوا باسم الله وفي سبيل الله في مستهل شعبان يرجون تجارة لن تبور، والثمن الغالي في أعلى الجنان، واستلحق الأمير قبائل بللحمر، وبللسمر، وأهل العرضية، وأهل  الساحل، والشريف حمود، والشريف منصور، وعرار، فلم يجبه أحد من القبائل إلا عسير السراة، ورجال ألمع، واستهلوا رمضان في الحسبة" . انتهى
   كما نجد ذلك في رسالة العجيلي التي أرسلها لعبدالوهاب المتحمي عام ١٢١٨هـ لتهنئته بالنصر بعد انتصار العسيريين على جيش الشريف في معركة (السعدية) ودخولهم مكة، حيث قال فيها:
"والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبرحمته تعم البركات، ومن دقائق هذه  الفضيلة أن خص بها عسير" . انتهى
   ومفردة "عسير" هنا تشير إلى "قبيلة عسير"، إذ لم يتكون المفهوم السياسي للمسمى إلى تلك المرحلة المبكرة من تاريخ الإمارة العسيرية بعد، فالعبارة هنا تدل دلالة واضحة على أن جيش عبدالوهاب الذي حارب في تهامة والذي خاض معركة السعدية ودخل مكة عام 1218هـ كان من قبيلة "عسير" بشكل رئيسي، وأن "عسير" لعبت الدور الأساسي والوحيد في مد نفوذها جنوبا وشمالا والانتصار على جيش الشريف في معركة السعدية ودخول مكة.
   وحتى بعد هذه المرحلة ورغم بدء مشاركة قوات من بقية قبائل المنطقة بشكل مستمر منذ معركة بدر الجنوب في نجران ثم معركة دخول مكة عام 1220هـ، التي انضمت فيهما قبائل "عبيدة" و"سنحان" و"شهران" (قبائل المشرق) إلى جيش عبدالوهاب، ثم انضواء بقية قبائل المنطقة لاحقاً، بالإضافة لمشاركة جيوش أخرى إلى جوارها أحياناً مثل جيش عثمان المضايفي، فقد ظلت جيوشه تتكون بشكل رئيسي من قبيلة عسير، ، لذا ظل يطلق على جيوشه المتحركة مسمى "عسير"، فيشار إلى هذا الجيش باسم  عسير، واستمر الحال كذلك في عهد الأمير طامي بن شعيب المتحمي, ثم محمد بن أحمد المتحمي ومن بعدهم.
   بل لقد أصبح مسمى عسير يمثل هاجسا للدولة العثمانية ومحمد علي باشا، حتى أن  مسمى "عصاة عسير" بات ملازما بكثرة لذكر هذه القبيلة في الوثائق العثمانية، بل نجد في إحدى الوثائق العثمانية رسالة يشير القائد العثماني فيها إلى أسماء القيادات السعودية ولكنه يذكر عسير كأحد أسماء القادة (الملاعين) بدلاً من ذكر قيادتها حين يقول: "وعند وصول جيش المسلمين المنصور من جهتي البر، والبحر، بكل عظمة وجلال، إلى "رابغ"، وإقامتنا به عدة أيام، أثناء إقامة الملاعين عبدالله بن سعود، وعثمان المضايفي، وابن شكبان، وعسير، في وادي فاطمة".
   وفي وثيقة أخرى يذكر القائد ما زودهم به جواسيسهم عن الجيش العسيري المتوجه إلى بلاد غامد لمحاربتهم فيقول: "قد غادروا (عسير) ديار النكبة والدمار، وأحجوا على وشك الوصول إلى بلقرن ـ بطريق السرا بالحجاز ـ وأن فريقاً أخر من جماعة هذا الشقي سيقوم من حالي ويأتي إلى قوزة".
   لذا ونتيجة لحالة المواجهة والعداء وما تكبدته جيوش الدولة العثمانية وجيوش شريف مكة وإمام اليمن علي يد العسيريين، فقد كان الهدف الرئيسي الأول والذي حرص محمد علي باشا على قيادة جيشه شخصيا لتنفيذه هو إسقاط الإمارة العسيرية، فاتجه فور انتصاره في معركة بسل الكبرى وهو على رأس جيشه إلى "طبب" مركز بلاد عسير، فخاض معركة آشد وطأة عليه من معركة بسل وقتل فيها الكثير من جيشه (كما يروي بوركهارت)، وبعد انتصاره فقد أسر أمير عسير الأمير طامي بن شعيب المتحمي وأرسل إلى مصر ثم إلى تركيا حيث أعدم وطيف به في الشوارع.
   وقد ثار العسيريون سريعا بقيادة محمد بن أحمد المتحمي واستعادوا السيادة وطردوا العثمانيين، وبعد عدد من الحملات التي لم تلق النجاح، شنت قوات الدولة العثمانية حملة كبرى على عسير، وبعد انتصارها ودخولها بلاد عسير مباشرة نجدها حريصة كل الحرص على استغلال انتصارها في تفريق قبيلة عسير وإلغاء وجودها، ونجد ذلك واضحاً في رسالة قائد حملتها المذكورة، عندما كان محمد المتحمي يدير حروبه ضد الدولة العثمانية المتمركزة في طبب من عمق جبل تهلل، إذ ورد في رسالة القائد العثماني بعد انتصارهم ودخولهم طبب (مؤقتا)، ثم ملاحقة محمد المتحمي إلى قلعته التي بناها في عمق جبال بلاد عسير (على بعد ثلاث ساعات من طبب) ما يلي:
" وقد وصلنا بعدئذ إلى "قرى العسير" الواقعة في مسافة ثلاث ساعات من "طيبة" (طبب)، بالجيش ، وبعد نصبنا للخيام ، حيث أنه وصلني ، خبر فرار محمد بن أحمد بالليل مع رفاقه الثلاثة من القلعة ، فقد هدمت القلعة ، وأبراجها ، في يوم واحد ، بمعرفة أفراد العشائر ، الذين كانوا شيدوها فيما قبل ، ونهبت الذخائر الموجودة بها ، وأحضرت الجياد التي ضبطت ، إلى طرف عبدكم ، كما وأنه نصب شيخاً من معتبران القبيلة ، لكل من القبائل التي فرقت ، وجعلت مقدارها ثلاثون ، بعد أن كانت "قبائل العسير" البالغة نفوسها خمسة عشر ألف ، تابعة "لشيخ واحد"، وأعطي اللازم ، وجرى منع اتحاد القبائل ببعضها ، ثم نزلنا بالجيش الكامل ، إلى "عقبة تية" التي نزل منها عبدكم الآغا المحافظ ، إلى تهامة ، وعدنا بالسلامة ، إلى جهات "قنفذة" ... انتهى
   وقد استمر الحال كذلك في عهد كل من سعيد بن مسلط وعلي بن مجثل، واستمر الحال كذلك في عهد عايض بن مرعي ثم ابنه محمد، فرغم أن الجيوش المتحركة أصبحت تشارك فيها جميع القبائل بشكل أكبر وأكثر تلقائية إلا أن قبيلة عسير كانت تمثل عادة ما يتجاوز 50% من عدد الجيش ـ كحد أدنى ـ في حالة الغزو خارج المنطقة، كما توضح الوثائق العثمانية، إذ تشير إحدى الوثائق إلى أن الجيش العسيري المتحرك إلى الشمال لمواجهة القوات العثمانية عام 1253هـ (في عهد عايض بن مرعي) كان عدده  3000 مقاتل، شاركت عسير بعدد 1600 مقاتل نصفهم من السراة (800 مقاتل) موزعون على القبائل الأربع (كل قبيلة 200 مقاتل)، والنصف الآخر من تهامة عسير (ألمع وبكر وما حولها)، والبقية موزعون على عدد من قبائل المنطقة، أي أن قبيلة عسير شاركت بأكثر من نصف عدد الجيش،  ولكن هذه النسبة تزيد كثيرا في حالة الدفاع، وقد تصل أحيانا إلى كامل القوة، بل وكانت عسير كقبيلة هي المعنية بهذا الجيش بشكل رئيسي بمثل ما هي الإمارة العسيرية، ففي إحدى الوثائق العثمانية أشارت رسالة أحد القادة إلى القيادة العليا عن حالة الجيش العسيري ـ المكون من عدد من القبائل إلى جانب عسير ـ والمتجه شمالاً لمواجهة قوة ابراهيم باشا المتمركزة في بلاد غامد حينها بقولها: " ويذكرون الجواسيس أن "عسير" وعايض، متوهمين من القبائل ولا هم آمنين غايلتهم" ..
   و
فلا غرابة إذن في أن الجيش في العموم يشار إليه بجيش عسير والإمارة بإمارة عسير، ومن ثم كان يشار لأحداث المنطقة باسم عسير، إذ عسير كانت القبيلة المبادرة التي قامت الإمارة العسيرية على عصبيتها، وتحملت العبء الأساسي في حمايتها ومد نفوذها.
  ورغم أن توسع نفوذ الإمارة العسيرية قد أظهر المسمى السياسي بشكل قوي خارج المنطقة، فقد ظل استخدام كلمة "عسير" للدلالة على قبيلة عسير أيضاً بالإضافة للدلالة السياسية على الإمارة والإقليم رغم الارتباك المستمر في المفهوم، فمثلاً نجد بوركهاردت الذي استوطن مكة فيما بين عامي 1812 و1817م، وسرد الأحداث التاريخية في الجزيرة العربية التي عايشها في تلك المرحلة، ورغم تنوع مصادره واختلاف مفاهيمها في هذا الخصوص وضعفها أحيانا، إلا أننا نجده في إحدى إشاراته يورد القبائل الواقعة فيما بين الطائف وقرب صنعاء اليمن كالتالي:
" من الطائف بمحاذاة الجبال جنوباً
بني سعد: يقول عنهم المسعودي في مؤلفه "مروج الذهب" : كما يقول عن عرب قحطان .. أنهم بقايا القبائل العربية ومعظم القبائل الأخرى حول مكة المكرمة والطائف والمدينة المنورة معروفة جيداً في التاريخ العربي منذ دعوة الإسلام وسبقت القبائل الأخرى مثل هذيل، قريش، ثقيف، فهم، مزينة، حرب، محمد، ولكن قبيلتي سعد وقحطان معروفتان في التاريخ الموغل في القدم، حيث يغطي الغموض الجزء الأكبر من التاريخ العربي.
ناضرة، مالك، غامد، زهران، تستطيع القبائل الثلاثة الأخيرة أن تجمع ما بين خمسمائة وألف رجل مسلح، أما زهران فيمكن لها أن تجمع ألف وخمسمائة.
شمران: قبيلة قوية تمتد في السهول الشرقية والغربية توجد أيضاً العسابلي، ابن الأحمر، ابن الأسمر، بني شفرة.
عسير: تشكل قبيلة قوية محاربة وأكثر عدداً في تلك الجبال وتمارس نفوذاً هاماً على كل جيرانها. يمكن أن يجمعوا 15 ألف رجل مسلح بالبنادق.
وهناك قبائل عبيدة، سنحان، وادعة (قبيلة قوية)، صحار،  باقم.
وهنا تبدأ أراضي إمام صنعاء" ... انتهى.
   ورغم إهماله لعدد من القبائل، ورغم بعض أخطائه في غير هذا الموقع ـ كما سيأتي معنا ـ ورغم مبالغته في عدد الجيش ـ حسب رأيي الشخصي ـ إلا أن تقسيمه هنا معقول إلى حد ما، فقد أورد فيه معظم قبائل المنطقة متتالية من الشمال إلى الجنوب وذكر عسير كواحدة من هذه القبائل وفي حدود موقعها في الترتيب الجغرافي إلى حد ما، مما يدل على أن مصدره في هذه المعلومة أكثر اتصالا بالمنطقة، إذ أن مفهوم كلمة "عسير" محلياً لم يتجاوز حدود مفهوم القبيلة المعروفة باسم "عسير" والواقعة حوالي مدينة أبها وما يواليها في تهامة.
   وعلى الرغم من أن اسم "عسير" ظل مرتبطا بمفهومه القبلي محليا إلى الآن، إلا أنه بعد عام 1220هـ أصبح هنالك خلط يحدث دائما عند من يكتبون عن عسير, وعن تاريخ المنطقة من خارجها، فنجد من يذكرها كقبيلة ومن يذكرها كمنطقة، ومن يخلط بين الحالتين، ومن ينسب لها قبائل أخرى، أو جغرافيا أخرى، فهذا صاحب لمع الشهاب يقول: "عسير هذه قبيلة كبيرة تنزل بين تهامة الحجاز وتهامة اليمن، بل ربما بعضهم ينزل بأطراف نجد مما يلي اليمن"، وإذا أخذنا في الاعتبار مفهوم نجد في دياره في عهده وحالياً والتي تبدأ من بعد وادي الدواسر وما حولها، فإن لنا أن نشكك في صحة معلومته، فعسير قبيلة مستقرة معظمها متحضر، وجزء منها بادية وهي تمتد شرقاً إلى وادي بيشة، ولا زالت تقطن نفس البلاد الحجازية التي ذكرها الهمداني في بداية القرن الرابع تقريباً.
   كما نجد أن بوركهارت في مواقع أخرى بسبب تعدد واختلاف مصادره، ورغم أنه عرف عسير كقبيلة واهتم بذكر الكثير عنها وعن أهميتها وأحداثها التي عايشها أثناء وجوده في مكة وجدة، وأبدى إعجابه بها كثيراً واعتبرها أنموذجا لشجاعة العرب، إلا أننا نجد بعض مصادره تجهل حقيقة حدود وديار عسير وبطونها، فقد ذكر في كتاب الرحلات قبائل وقرى كثيرة مثل "الضحي" و"الشقرتين" و"الجوف" و"عبل" و"آل الشاعر" و"درب العقيدة" كجزء من قبيلة عسير، كما أنه أثناء حديثه عن قبيلة "المرقدة" في كتاب الرحلات أشار عرضيا إلى أنها إحدى القبائل التابعة لقبيلة عسير الكبيرة (حسب وصفه)، إلا أنه في كتابه التالي (صدر بعد الأول) ـ وهو كتاب: "ملاحظات حول البدو الوهابيين" ـ أعاد الحديث عن قبيلة "المرقدة"، ولكنه توقف عن ربطها بعسير وأشار إلى أنها تقع في الحدود اليمنية، والصحيح أن كل هذه القبائل والقرى بما فيها "المرقدة" تتبع لقبائل أخرى، وليست من قبيلة عسير، بل إن قبيلة المرقدة الكريمة هي قبيلة حقيقية لا زالت معروفة بنفس الاسم، وديارها بعيدة عن حدود قبيلة عسير (موافقة لما ورد في كتابه الأخير).
   ولكن "المرقدة" وكل القبائل والمواقع التي ذكرنا كانت بالفعل ضمن حدود نفوذ الإمارة العسيرية الذي امتد إلى أقصى سواحل اليمن جنوبا وإلى مكة شمالا منذ عام 1217هـ، أي أنها كانت من عسير سياسيا وليس قبليا، ولعل هذا ما أتاح طريقا للخلط بين الانتماء السياسي والقبلي، إذ أصبحت عسير عنواناً لكل المنطقة أو حتى للجهة، فيحال إليها ما لا شأن لها به من البلاد.
   وفي حالة أخرى من هذه الحالات الكثيرة نجد ابن بسام يقول: "هذه القبيلة المسماة بعسير تتفرق أسماء كثيرة، فمنهم طوائف بظل المعروف  بأبو نقطة[1] وهم الذين يلون سواحل البحر والآخرون بظل السيد الشريف حمود أبو مسمار، وقليل أن يكون بينهم الصلح، لأن كل واحد يزعم الفخر له، والعلياء بيده، وهم المسمين أبو نقطة، وأبو مسمار، فلما صار بينهم من الشحناء والعداوة ما صار وتبين الغلب والقدرة لأبي مسمار وأيقن أبو نقطة بالعجز عن حربه وأتعبه منازلته وضربه مال لطاعة الوهابي، واستعان به".
   وقد اخطأ ابن بسام فيما ذكره، فالصحيح أن أبو مسمار حاكم (المخلاف السليماني)، و"المخلاف السليماني" ليس جزءاً من قبيلة عسير كما قال، بل هو أمم أخرى كثيرة، وعسير لم يمتد نفوذها على المخلاف السليماني قبل دخول قبيلة عسير في سلك الدعوة وفي الدولة السعودية، ولا شك أن امتداد الإمارة العسيرية منذ عام 1217هـ في عهد عبدالوهاب ثم في عهد طامي على العديد من البلاد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا هو ما تسبب في هذا الخلط عند ابن بسام، وبوركهارت، وصاحب لمع الشهاب وسواهم من معاصريهم، والذي كاد أن يصبح هو الأصل، وذهب ببعض المتحمسين لاحقاً إلى محاولة إلغاء الوجود القبلي لقبيلة عسير، ومحاولة دمجها في القبائل المجاورة، واعتبار المسمى يخص منطقة.
   ومما زاد من هذا الخلط في المسمى، وعزله عن مفهومه القبلي، تداخل الوضع السياسي مع الوضع القبلي في هذه القبيلة، فأمراؤها الذين ينتمون إلى أسر وقبائل مختلفة من بطون هذه القبيلة رغب كل منهم في تثبيت إمارته وترسيخ حكمه على المناطق الواسعة التي امتدوا عليها، وكان بعضهم يرى أن ذلك يتطلب التنازل عن الروح القبلية المحلية أو تخفيض أثرها، لاستدراج الجميع إلى التسليم بشرعية حكمهم على المدى الطويل دون نزاع، فرأوا الابتعاد عن تكريس انتماءاتهم القبلية بشكل واضح.
   ثم كان لاتخاذ الدولة العثمانية إجراءات عمدية في هذا الخصوص أثراً واضحاً، فناهيك عما ورد معنا في أحداث عام 1232هـ من محاولة العثمانيين استغلال نصرهم في تفريق بطون قبيلة عسير إلى قبائل ومنع تواصلها ـ كما جاء في الوثيقة العثمانية التي أوردنا نصها أعلاه ـ فإنها بعد أن انتصرت أخيراً وتمكنت من بسط نفوذها على كافة الإقليم عام 1289هـ، واستقر لها الأمر إلى حد ما، فقد استكملت هذه المهمة، فأبقت المسمى كاسم عام للمنطقة بشكل رسمي، وألغت وجوده القبلي وأفرزت قبائل عسير السراة إلى قبائل متفرقة، يرتبط كل منها بالمركز مباشرة.
   وقد نجد أوضح أثر لهذا الخلط في المفهوم وسيادته في إعلان الإدريسي نفسه إماما لـ"عسير" عام 1327هـ، بينما هو على أرض الواقع كان يحكم سواحل اليمن بامتدادها إلى المخا بالإضافة إلى المخلاف السليماني، ولم تكن قبيلة عسير تحت حكمه، مما يعني انزياح المسمى عن أصله، ومن ذلك أيضاً ما نجده في كتاب "تاريخ الملوك العرب" للريحاني أثناء نزوله من صنعاء، إذ وقف عند نقطة في بلاد الزرانيق ليقول "هنا تنتهي بلاد اليمن، وتبدأ بلاد عسير"، بينما هو كان يسير بين صنعاء والحديدة، وهو ما يدل على ارتباط المفهوم السياسي لعسير بمساحات واسعة من تهامة اليمن لفترة طويلة على إثر امتداد الإمارة العسيرية عليها وكثرة أحداثها في هذه المنطقة.
   وكان لكل ذلك أثر نجده في كل ما كتب في تلك المرحلة وما بعدها من مدونات والتي كانت تتجاهل تماماً وجود قبيلة عسير، أو تخلط في بطونها مثل كتابات كورنواليس الذي قلل من أهمية ما يتداوله الناس حول المركز من اقتصار إطلاق مسمى "عسير" على قبائل معينة تحيط بمدينة أبها، بل نجده في تعداد القبائل المقصودة بمسمى عسير عرفيا استبعد قبيلة "ربيعة ورفيدة" منها وأدخل رفيدة اليمن، بينما سليمان شفيق باشا خلت مذكراته من أي إشارة لوجود قبيلة عسير، فكان يتحدث عن عسير كمنطقة أو إقليم بينما يفرد بطون عسير كل على حده عندما يتحدث عنها ويجعل ذلك بموازاة حديثه عن القبائل الأخرى، أما الريحاني فقد مد عسير إلى عمق تهامة اليمن كما جاء معنا أعلاه، وقد سار على هذا الدرب الكثير ممن لا مجال لسردهم هنا، كما أن كثير ممن جاء بعدهم مثل عمر كحالة، والشريفي، ساروا على نفس الدرب.
   من كل ما سبق نجد أن المسمى: "عسير" لم يعد يعني قبيلة عسير بذاتها أو لنقل: لم يعد خاصاً بها بالذات منذ عام 1220هـ كما أسلفنا، لذا فلا غرابة أن من يريد الحديث عن عسير كقبيلة سيجد الكثير من اللبس والأخطاء في مفهومها، نتيجة الخلط الناتج عن تداخل الحالة السياسية مع القبلية، والكثير من السخط نتيجة العداء المستفحل  المتفشي في بيئة خصومها العثمانيين والولايات الموالية لهم آو بيئة آعداء الدعوة السلفية في الحجاز، واليمن، والمخلاف السليماني، والشام، والعراق، فقد وجدنا أن هنالك قبائل ومناطق وقرى ربطت بعسير ليست من عسير كما وجدنا عند كورنواليس، وبوركهاردت، وابن بسام، وصاحب لمع الشهاب، وكورنواليس، والريحاني، كما وجدنا الكثير من الشتائم المباشرة كاللتي مر بعضها معنا في وثائق الدولة العثمانية والمصرية أعلاه... وغيرهم كثير.
   وتمتد قبيلة عسير عرفاً في السراة بشكل رئيسي على المنطقة الواقعة من تمنية إلى مسفرة ومن وادي بيشة إلى مشارف تهامة، وفي تهامة من جبال السراة إلى سواحل البحر الأحمر فيما بين وادي حلي ووادي بيش. وعموما فإن القبائل الأربع في السراة كل من: ربيعة ورفيدة، وبني مغيد، وعلكم، وبني مالك، بالإضافة إلى قبائل تهامة كل من قبائل بكر (مجموعة من القبائل)، وألمع (مجموعة من القبائل)، وقبائل قنا والبحر (مجموعة من القبائل)، وآل موسى، وبني أنمار، كلها محسوبة من ضمن قبيلة عسير.
   وسنورد هنا فروع وبطون قبيلة عسير وجميع القبائل المنبثقة منها حسب ما ورد لدى هاشم النعمي عام 1381هـ، والذي صدر قبل أن تترجم وتحقق الكتب والوثائق التي كتبت عن عسير، حيث كان ولا زال أكثر من فصّل في قبائل عسير وهذا نصه:
1)   بنو مغيد: وتضم مشيخة قبيلة بني مغيد حلفاً قبيلة بني نمار ويطلق على شيخ بني مغيد (شيخ شمل قبائل بني مغيد وبني نمار) وتنقسم إلى العمائر التالية:
1ـ آل وازع  2ـ آل ناجح  3ـ آل عبدالعزيز  4ـ آل علي بن الغريب  5ـ آل ويمن  6ـ بني جعفري, وتتألف هذه العمائر من الأفخاذ الآتية:
1ـ آل يزيد الشعف  2ـ بني جري  3ـ آل منسم  4ـ آل جلال  5ـ العمارات  6ـ آل زيدي  7ـ العكاس  8ـ أهل رضف  9ـ المغيدين  10ـ اليزيديين  11ـ آل يزيد السقى  12ـ آل تمام  13ـ آل جديعي  14ـ آل زيدان  15ـ آل بواح  16ـ آل مفرح  17ـ آل سكران  18ـ آل قبيعي  19ـ امنغلة  20ـ آل مغرم  21ـ آل ويمن  22ـ آل مخلوف  23ـ آل مدحان (أبها)  24ـ ربيعة التهمة (ربيعة أنمار)  25ـ آل النعمي العكاس  26ـ آل حبيب بن مالك  27ـ آل عيسى بن حاوي  28ـ آل مدحان (الحجاز)  29ـ آل منشل  30ـ آل مشاعر  31ـ بني نمار  32ـ آل سعدي  33ـ آل وائلة  34ـ آل العلا
2)   قبيلة علكم، وتنقسم إلى العمائر التالية:
1ـ بنو مازن  2ـ بنو شبلي  3ـ آل سعيدي  4ـ آل عطا  5ـ آل القاسم  6ـ عضاضة  7ـ بنو مقرن
وتتألف هذه العمائر من الأفخاذ الآتية وهي:
1ـ آل ثواب  2ـ آل مطحل  3ـ آل عاصم  4ـ آل يوسف  5ـ آل سعيدي  6ـ آل المعان  7ـ آل مغيضة  8ـ بنو مازن  9ـ آل الفلت 10ـ الفرزعة  11ـ المحير 12ـ آل مطير  13ـ آل امقارم  14ـ آل عقران  15ـ آل امتوم  16ـ معلين
3)   قبيلة ربيعة ورفيدة، وبني ثوعة وبطلق على شيخها (شيخ شمل قبائل ربيعة ورفيدة وبني ثوعة)، وتنقسم للعمائر التالية:
1ـ امتلادة  2ـ آل شدادي  3ـ أهل الغال  4ـ الرفقتين  5ـ آل الحارث  6ـ بني حسن  7ـ بني ثوعة  8ـ آل عاصم
وتتألف هذه العمائر من الأفخاذ التالية:
1ـ آل المتحمي  2ـ آل مغثم  3ـ ال تيهان  4ـ آل مسعلي  5ـ آل محمود  6ـ آل مجمل  7ـ آل امحنيش  8ـ بنو غنم  9ـ آل جحيش  10ـ آل فضيلة  11ـ آل ناهية  12ـ الغازي  13ـ المقزعة  14ـ المفصلة  15ـ آل امصدامي  16ـ آل امجيش  17ـ آل بكرة  18ـ آل جديعي  19ـ آل عقبة  20ـ آل بجاد  21ـ آل الحلاج  22ـآل غنية
4)   بنو مالك، وتنقسم هذه القبيلة إلى  عدة عمائر وهي:
1ـ بنو رزام  2ـ آل مجمل  3ـ آل يعلا  4ـ بنو ربيعة  5ـ بنو منبه  6ـ آل الحبيشي  7ـ آل رميان  8ـ بنو شدان 9ـ التلادة  10ـ آل الطبيب
وتتألف هذه العمائر من الأفخاذ الآتية وهي:
1ـ آل خضرة  2ـ آل لزم  3ـ آل يعلا  4ـ آل جرجر  5ـ آل الشلفا  6ـ آل جاهل  7ـ آل جرجر 8ـ آل هتان  9ـ آهل بن نعمان  10ـ آل منير  11ـ بنو ربيعة  12ـ آل الطبيب  13ـ آل الغليظ  14ـ المجارذة  15ـ آل بلكباش  16ـ آل محمد بن علي  17ـ آل مجندي  18ـ آل مخلد  19ـ آل صعب  20ـ آل جمعة  21ـ آل عراد  22ـ آل محزل  23ـ آل رميان  24ـ آل الحبشي
أما قبائل عسير تهامة فهي كالتالي:
1ـ قيس بن مسعود  2ـ بنو ظالم  3ـ بنو جونة  4ـ بنو بكر (أهل جبل صلب)     5ـ بنو عبد شحب  6ـ شديدة  7ـ بنو زيد  8ـ بنو قطبة  9ـ بنو العوص  10ـ البنا  11ـ آل موسى  12ـ قنا والبحر  13ـ المنجحة  15ـ بنو هلال  16ـ لتين
تمت ... وصلى الله على محمد





[1] هكذا وردت في المصدر