الاثنين، 9 أبريل 2018

حقيقة قبيلة "جديلة" التهامية في النقوش اليمنية وعلاقتها بربيعة الفرس


في النقوش اليمنية ورد في كتاب "التنظيمات والمعارك الحربية في سبأ" تأليف د. محمد بن سلطان العتيبي، النص (J616) أن عدداً من القادة القبليين في عهد الملك  نشأ كرب يأمن يهرحب اتجهوا الى بلاد خولان الأجدود لفض النزاع بينهم وأخذوا منهم رهائن وبعد عودتهم لصنعاء أرسلوا مرة أخرى ل السهرة مدينة الرحبة ومن ثم حاربوا عددا من عشائر (دوأت)، وعشائر إياس، وأيدعان، وحكم، وحدلنة، وغامد، وكهال، وأهلني، وجديلة، وسبسم، وحرام، وحجر لمد، وأوام، ورضحتن من حرة، ولقد حاربوهم بأسافل أودية ذي بئر، وخلب, وتدحن ... إلى آخر النص.
وهذه صور النص وقراءته من المصدر:







وكي لا يتشتت تركيز القارئ ويدور في تهجئة نص  النقش، فإن الخلاصة ما ورد في ص213  حيث نجد الإشارة في الفقرة 14 إلى مسيرة الجيش لقبائل خولا ن الاجدود ثم الفقرة 18 و19 عادوا واتجهوا لأرض السهرة ، ثم في الفقرات من 23 إلى 26 يشير إلى القبائل التي غزوها وكان منها قبائل الحكم وجديلة وفي فقرة 26 و27 يشير إلى مواقع هذه الغزوات وهي وادي ذي بئر وخلب وتدحن.

ومن خلال النص نجد أن موقع الاحداث كان في تهامة وبالضبط منطقة المخلاف "جازان"، حيث يقع وادي خلب وحيث توجد قبيلة الحكم، وقد أشار المؤلف إلى أن السهرة قد تعني السراة ولكننا لا نجد ما يؤكد ذلك لتكررها في النصوص كمدينة في خولان أو قبيلة محددة وليس كمنطقة كبيرة تقابلها تهامة، رغم أننا في العموم لا نقطع بنفي احتمالية ذلك، إلا ان وجود الحكم وخلب يعني أن بين أيدينا موقع تهامي وقبيلة تهامية، بغض النظر عن بقية المواقع، وهو ما يعني أن الغزوة اتجهت الى تهامة المخلاف وأن من ضمن القبائل التي غزاها قبيلة الحكم وقبيلة جديلة، وجديلة: اسم قبيلة تنتمي إلى ربيعة وينتمي إليها بنو وائل كما هو معلوم. 
وهذا اذا اضفناه إلى جانب ورود الكثير من الإشارات التي تدل على استيطان بني وائل (من فروع جديلة) الربيعية لبلاد تهامة جهة المخلاف وما حولها والتي أجملنا بعضها في كتاب "قبيلة عنز بن وائل جذور وحضور". فإن هذا النص يعتبر رافدا يحق لنا الاستئناس به إلى جوار الكثير من الدلائل الواضحة على تواجد ربيعة الفرس في منطقة عسير سراتها وتهامتها، وامتداد ما بينها وبين نجران وتهامة في العصور القديمة,
وقد كان ذلك، وتم رصد النص المحفوظ أصلاً في الذاكرة الشخصية لاستخدامه في الكتاب.
   إلا انه أثناء الجمع كان هنالك نص آخر يشابهه في الأحداث وفي الموقع (جازان ـ المخلاف السليماني) حيث أرسلت حملة بدأت أيضا  لفض النزاع بين خولان الأجدود ثم اتجهت منها لتهامة  (نفس الأحداث التي بدأت بها الحملة في النص السابق)، كما تكررت بعض الأسماء التي كانت هدفا للحملة مثل سهرة وخولان الأجدود، وكان قد تم رصد هذا النص (الأخير) لاستخدامات أخرى تخص الحدود الطبيعية لامتداد الممالك اليمنية والتواجد المعدي القديم في وادي عتود. وهذا هو النص:



إلا أنه أثناء الجمع حدث خلط بسبب تشابه النصين، فتمت الإشارة للنص الثاني بدلا من النص الأول. وذكرت جديلة ضمنه.
 ولمن يقرأ بديهيات القراءة التاريخية والاستدلال فإنه لا جدوى من ذلك اطلاقا، ومن ثم لا يمكن حمله على سوء النية، فالنص الأول يعطي الدلالة المطلوبة والتي تم التوصل اليها بمساعدة النص (الخطأ) بالضبط ألا وهي تواجد قبيلة جديلة في نفس المواقع من تهامة في العصور القديمة، حيث حدث يوم خزاز (كما نقل الهمداني عن الخولانيين)، وحيث بدأت حرب  البسوس في تهامة كما أورد الأخباريون، وحيث وردت الكثير من الإشارات الى بني وائل في فرسان والدرب وتهامة عسير وغيرها، وحيث تقطن غير بعيد قبيلة عنز بن وائل إلى هذا التاريخ.
ومن ثم فما ذكر من استدلالات حول النص الثاني كان سيذكر حول النص الأول والأمر لا يتجاوز خطأ إحلال نص مكان نص مطابق في الدلالة غير مؤثر على مسار الاستدلال والكتاب .

   وللمعلومية فكتاب "قبيلة عنز بن وائل جذور وحضور" عدد صفحاته 358 صفحة، تحوي الكثير من المعلومات والاشارات والكشف عن مسارات الأحداث والاستقراءات غير المسبوقة. 
   كما يحوي الكتاب اكثر من 600 إشارة مرجعية مستمدة معلوماتها من 138 مرجع، ومن ثم فالخطأ غير المؤثر على مسار الاستدلال في إشارة مرجعية لا معنى له.
   وقد وصفت دارة الملك عبدالعزيز الكتاب بعد مراجعته وتمحيصه ودراسته بقولها: "هو عبارة عن دراسة شاملة لقبيلة عنز بن وائل ومنطقة عسير وهو حقيقة أمين في نقل المعلومات ومتقصي".

   وذلك رغم أن الدارة رفضت فسحه مبدية ملاحظات حول أنساب بعض القبائل، وحول اعتراضها على استخدام نتائج الدي ان أي في أنساب القبائل، واعتراضها على الإشارة لقرب نجران من قرية كهلن (الفاو)، ولا شك لدي أن الملاحظات تتعلق بالمسؤولية الملقاة على عاتق الدارة وحساسية التطرق للأنساب بغير المتعارف عليه والمشاكل التي يخشون أن تتبع ذلك (حتى لو صحت)، وهي أراء وملاحظات لدي الكثير من التحفظات عليها والتي ربما أتطرق اليها لاحقا. 
 وقد أثار الكتاب اهتمام الكثير من المؤيدين والمخالفين منذ نشره، فكان هنالك الكثير ممن يجتهدون ويبذلون الكثير من وقتهم في محاولة البحث عن أخطاء وتوجيه النقد للكتاب لا لاتباع المنهج العلمي في فحص وتدقيق المعلومة، بل للتقليل من شأنه، لتعارضه مع أهوائهم، ومن الجميل أن ما تمكنوا من الاحتفال به هو خطأ مطبعي أو زلة قلم تحدث بشكل طبيعي لجميع المؤلفين، فيكاد لا يخلوا عمل من الخطأ، ولا أريد أن أعطي أمثلة لكتب أسماء كبيرة جدا حوت أخطاء واضحة لا يمكن أن نحيلها لأكثر من متلازمة العمل البشري: "الخطأ"، ولكن مؤلفاتهم ذاتها تظل رغم ذلك على درجة كبيرة من الأهمية.  
وفي النهاية أتقدم بالشكر لكل من اهتم بكتاب "عنز بن وائل جذور وحضور", سواء مؤيدا أو معارضا، فقد استفدت منهم جميعا الكثير خاصة وأنني في صدد إصدار الطبعة الثانية من الكتاب مزودة ومنقحة حسب المستجدات. 
والله ولي التوفيق