الأحد، 3 فبراير 2013

مقدمة


   ليس بخاف على كل من سيقرأ هذا الكتاب أن من أهم الأسباب التي دعت إلى كتابته ما طفا على الساحة في منطقة عسير من تلاعب بالتاريخ والأعراق والهوية وتوازن الروابط الاجتماعية الموروث في هذا الجزء الهام من الوطن من قبل مصادر مجهولة أوقعت الكثير من الأثر في ذاكرة المجتمع، وأصبحت مرجعاً للكثير من المؤلفات، ومن ثم فقد حمل هذا الكتاب أسلوباً جديداً وجريئاً إلى حد ما في التعاطي مع التاريخ العسيري في محاولة للفت الانتباه لحجم الضرر، والتحفيز على البدء في دراسة التاريخ بطريقة منهجية علمية مقبولة، تنزع إلى استنطاق التاريخ وافتراض وجود الخطأ حسب المنهج العلمي، ولجم العبث المستمر بحقيقة شخصية هذه الأرض من قبل هذه المصادر التي تبزغ من الظلام والتي أثَّرت على المفاهيم المتوارثة حول التاريخ والجغرافيا والصلات بين أجزاء هذا  الإقليم وبينه وبين الأقاليم الأخرى في الجزيرة العربية.
   ولأن معارضة السائد دون التعريف بالهدف ومحاولة إيضاح الصورة المطلوب وصولها للقارئ، وتهيئته لتقبل الفكرة،  وتقبل التغيير في مفاهيمه البسيطة في ظل شعوره بفقد الكثير مما كان يعده من الثوابت لردحة من أثر العبث بتاريخه وبهويته قد يؤدي إلى ردة فعل خاطئة حول الهدف، لذا كان لا بد من طرح وجهة نظر الكاتب من خلال مقدمة وضعتها في باب كامل وهو الباب الأول، ثم محاولة إعادة تقييم المفاهيم السائدة وعرض المفترض حول كل قضية تتعلق بالحقائق التاريخية المطروحة.
   وأيضاً لأن من يحمل النقد والرفض للمستفيض حول التاريخ فعليه أن يجد البديل، كي لا يتجه إسقاط السائد إلى التجهيل فقط، لذا كان من الضروري طرح البديل الذي يمكن أن يمثل مفتاحاً للوصول إلى الحقيقة التاريخية، وبالتالي فلا بد من السرد التاريخي، وهو ما استدعى كتابة رؤية مختصرة في البابين الأخيرين لتاريخ إقليم عسير من خلال استقراء شخصي لما ورد في المصادر التاريخية المعروفة، معتمداً فكرة الشك والتمحيص والاستقراء الجاد واستنطاق ما ورد في المصادر التاريخية بدرجة تتجاوز الأفق المعتاد، مع محاولة تفادي الاعتماد على الذاكرة الشفهية قدر الإمكان نظراً لحساسية الكثير من المعلومات التي حصلت عليها بالحديث المباشر مع أولي الشأن، ناهيك عن أن الاعتماد عليها قد يفسر بالانتقائية، خاصةً وأن الكتاب يوجه نقداً للذاكرة الشعبية المحلية بوضعها الحالي نظراً لما طرأ عليها من تشويش شديد خلال المرحلة السابقة.
   وقد نتج عن ذلك طرح رؤية جديدة على الأقل بالنسبة للقارئ المحلي في عسير حول هذا الإقليم وانتمائه الجغرافي والتاريخي والعرقي، وتسلسل أحداث تاريخه في العصر القديم وتداعي أحداثه في العصر الحديث، والأهم في طريقة تتبع أخباره وكتابة تاريخه.
   وقد اعتمدت في الحصول على المعلومة على النقل المباشر لآراء بعض المؤرخين في العصر الحديث من خلال الوثائق والكتب المدونة وخاصة المعاصرة للأحداث، بالإضافة إلى ما ورد لدى المؤرخين والجغرافيين العرب في المراجع القديمة فيما يخص التاريخ القديم، وفي جانب آخر اعتمدت على اقتباس بعض الإشارات التاريخية ذات البعد الدلالي الكامن والتي ربما نجد أن بعضها وردت من خلال سرد مختلف عما حملته الفكرة هنا، وهو أمر لم ألق له بالاً، لأن ما أضعه هنا هو دراسة نقدية لما هو مطروح في الساحة، ومحاولة لكتابة تاريخ الإقليم بطريقة أدق تخصيصاً وأوسع أفقاً، ومن ثم فتفسير التعارض الذي قد نلاحظه في بعض الإشارات بين طريقة عرضها في المصادر وبينه هنا معلل ضمن الفكرة التي حملها الكتاب. 
   وقد استفدت أيضاً من معرفتي الشخصية الدقيقة للكثير من أقاليم الجزيرة العربية وتنقلي بينها خلال حياتي الدراسية والعملية ومقارنة ذلك بالإرث التاريخي المدون في بطون الكتب وهو ما وصل بي إلى تكوين الفكرة الأولية منذ وقت مبكر، حتى قمت بجمعها ومن ثم طرحها هنا في سبيل الوصول إلى بعض الحقيقة التاريخية.
   لذا كان الكتاب خروجاً عن المألوف في منطقة عسير في طريقة تتبع الأخبار ومن ثم في معلوماته بالرغم من إيجاز السرد، بما آمل أن يكون مفتاحاً لطريقة جديدة في تتبع أخباره التاريخية في المراحل اللاحقة.
   فهذا الإقليم الذي عني الكتاب بدراسته هو إقليم عامر في التاريخ  العربي، بل أرى أنه كان يمثل ثقل الوجود القبلي في الجزيرة العربية في العصر الجاهلي وكان مسرحاً للكثير من الأحداث التاريخية القديمة، ويحمل جزءاً كبيراً من ذاكرة المجتمع العربي القديم وأساطيره.
   ولا شك أن من أصعب الأمور التي يواجهها الباحث في كتابة التاريخ في هذا الإقليم تلك الحساسية المفرطة في تقبل الكتابة عن التاريخ والأنساب في هذا الإقليم القبلي جداً، وهو ما جعلني أعيد صياغة المحتوى عدة مرات في محاولة لتلافي سوء الفهم الذي قد يؤدي إلى المواجهة الكاملة مع المجتمع المحلي وذاكرته البسيطة التي لا تقبل خسارة أي المكاسب القبلية والتاريخية الوهمية التي وزعت على بعض أجزائه لتحقيق أغراض المتبرعين مما قد يفقد الكتاب هدفه الأول، وهو إعادة الذاكرة الشعبية في عسير إلى وضعها الصحيح، وتحريك الماء الآسن قبل سكبه في بالوعة التاريخ لتندلق معه رواسب التزوير والعبث من الرؤوس المحنطة، وفي نفس الوقت محاولة الإمساك بسلامة اتجاه الخط الأساسي في الكتاب، وهو تعرية الجهات المتلاعبة، التي تحاول العبث بماضي وحاضر ومستقبل الإنسان في هذا الإقليم، بالإضافة إلى طرح فكرة الكاتب حول الحقيقة التاريخية بشكل مبسط ومفهوم.
  ولا أدعي بأنني وصلت لكل الحقيقة التاريخية، إذ لا مجال إلى الوقوف على الحقيقة كما هي، ولكنني على يقين بأن هنالك أفكاراً تحمل حقائقاً طرحت لأول مرة في هذا الكتاب، وأن هوامش العبث بالتاريخ ستكون أضيق نطاقاً بعده.
 وأسأل الله التوفيق والسداد أولاً وآخراً. 

                                                                                                         منصور أحمد منصور العسيري

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق