الخميس، 24 أكتوبر 2013

نشاط جديد للعبث بالوثائق التاريخية ٢٠١٣م


استكمالاً لما سبق أن أشرت إليه من محاولة جهات التزوير الزج بأسماء أمراء عسير مثل سعيد بن مسلط وعلي بن مجثل، لسد الثغرات الواضحة في فكرة الدولة اليزيدية العميقة التي يزعمون أنها امتداد للدولة الأموية في عسير، ثم استغنائها عنهما في إصداراتها الأخيرة، ثم العودة إليهما مرة أخرى، وما جاء في بقية التفاصيل الواردة في الموضوع هنا:
http://monsooraseeri.blogspot.com/2013/09/blog-post_8.html
وحيث حضي هذا العام ١٤٣٤هـ / ٢٠١٣م بصدور عدد كبير من المؤلفات عن تاريخ عسير،  وقد قرأت العديد من هذه الإصدارات ووجدت أن هنالك كتباً تحمل أخباراً تتقاطع بطريقة أو أخرى مع بعض ما ورد في كتابي "عسير والتاريخ وانحراف المسار"، كما كان هنالك الكثير من المقالات التي نشرت في الصحف المحلية تحمل نفس المواصفات، وكان بين هذه المؤلفات ما سأعرض بعض الملاحظات عنه هنا، وهو ترجمة لكتاب "عسير قبل الحرب العالمية الأولى" لـ"كيناهان كورنواليس" قام بترجمته قسم "دار نور للدراسات" بدمشق وقدم للكتاب "عارف أحمد عبدالغني"، وتم النشر عن طريق داري نشر سوريتين وهما "دار العراب للدراسات والنشر" و"دار نور" في عام ٢٠١٣م (أي أثناء حموة عنفوان الحرب الدموية في سوريا).

‎وهذا الكتاب نشر في الأصل حسب المدون على النسخة الانجليزية الحديثة منه عام ١٩١٦م، ثم أعيدت طباعته عام ١٩٧٦م عن طريق داري نشر وهما دار "The Falcon Press" ودار "The Oleander Press" في نيويورك وكامبردج.

‎ ويحمل الكتاب الكثير من علامات الاستفهام حول طريقة كتابته ومعلوماته فقد حوى الكتاب الكثير من المعلومات الخاطئة والتخبط حول التقسيمات القبلية وأعداد القبائل وأسماء الأشخاص وشيوخ القبائل، بل لم تخل صفحة من صفحاته من العديد من الاخطاء، وقد أبدى بعض الباحثين ملاحظات حول معلوماته مثل غيثان بن جريس وعبدالرحمن آل حامد وغيرهم، ‎ويلاحظ رغم ذلك أنه حضى بالكثير من الاهتمام من آخرين، فقد ترجم الكتاب عدة مرات أحدها بتوجيه من اللواء أحمد بن مساعد السديري،  ثم ترجمه أحمد عبدالمعطي مصطفى في مجلة الخليج عام ١٤٠٠هـ، ثم ترجم بإشراف علي آل زحيفه حيث أودع بوزارة الثقافة اليمنية عام  ٢٠٠٧م ثم نشر عام ٢٠٠٩م / ١٤٣٠هـ، ثم جاء الإصدار موضع الدراسة عن طريق إثنتين من الدور السورية،  وجميع ترجماته لم تكن دقيقة.
‎ومن الملاحظ أيضاً أن عددا من كتاب المنطقة ممن يكتبون عن تاريخها اعتمدوا على هذا الكتاب في وصفهم للقبائل المحلية وعاداتها وسلوكها وصراعاتها وعلاقاتها القبلية والأسرية، وأرى ذلك معيباً لجهدهم، فالكتاب لا يمثل وثيقة تاريخية معاصرة للأحداث المهمة يمكن اعتمادها خاصة في منطقة عسير، فقد حصل الكاتب الانجليزي على معلوماته من الرواة عام ١٣٣٥هـ كرجل عابر لم يستوطن عسير، أي قبيل نهاية فترة الحكم العثماني، وهي مرحلة كان المجتمع في عسير أثناءها في حالة انهيار شديد تحت وطأة المطرقة العثمانية الثقيلة التي امتدت ضرباتها على مدى قرن من الزمان مما أدى إلى تخلخل سكاني شديد، ثم يدها التي تدخلت في كل شيء وخاصةً التركيبة السكانية والقبلية المحلية على مدى خمسون عاماً، مما ترك أثراً في الحالة النفسية وفي الصلات بين أجزاء المجتمع، وأدى إلى تغير في الكثير من المفاهيم السائدة، وفي المزاج العام للمجتمع، فكانت القبائل المحلية جميعها في حالة تبعية كاملة في تلك المرحلة، منقسمة في تبعيتها بين الإدريسي القادم من بلاد المغرب العربي إلى جازان، وبين التبعية للأتراك، وكلا الطرفين يدفعان الخراج للمتبوع، كما لم يقدم الكاتب دراسة تاريخية مبنية على الاطلاع على تاريخ المنطقة فهو لم يشر إلى ذلك ولا أوحى بذلك ما أورد، ومن ثم فلم يكن هنالك من مصدر للمعلومة للكاتب سوى الحكايات الخيالية والأوصاف التي لا تخلو من الجهل بالواقع والتحيز والتضليل ولا تقوم على أسس معقولة، كما أن مصادره حول القبائل المحلية بعضها لا يمت للمنطقة بصلة كما يتضح من المفردات المستعملة، كإيراده مصطلحاً يحمل كلمة "نعال" نصاً زعم أنه يتداول في المنطقة بنفس النطق، مما يجعل اجتهاد أي باحث لوصف المجتمع والشخصيات والروابط الاجتماعيىة والقبلية من خلال الاطلاع والمعايشة ومن خلال المصادر التاريخية أكثر واقعية مما أورد كورنواليس.
‎وكنت في كتابي (المذكور أعلاه) قد أشرت إلى هذا الكتاب وأشرت إلى أنه اعتمد في معلومته فيما يبدو على كتاب تاميزيه الذي قرأه جيداً قبل جمع معلوماته كما يلمح هو لذلك (في النسخة الانجليزية ص١٠٤)، ثم على بعض موظفي الدولة العثمانية والذين جلهم من خارج منطقة عسير حينها، فارتكب الكثير من الأخطاء (انظر عسير والتاريخ وانحراف المسار ص٥٩)، ولكنني لم أمعن في الشرح نظراُ لما رأيته من عدم أهميته، حيث أنه يحمل من الاخطاء والخلط ما يجعل معلومته عديمة القيمة بالإضافة لما حملته الترجمات المتوفرة في حينه من أخطاء.
كورنواليس يشير إلى كتاب تاميزيه



 وقد تزامن صدور هذه الترجمة مع صدور ترجمة لكتاب حديث وهو رواية "سيدة أبها" في نفس العام ٢٠١٣م  عن النسخة الأصلية "The Mestriss Of Abha" الصادر عام ٢٠١٠م للأمريكي "ويليام نيوتن" ـ كثاني إصدار له خلال حياته قبل وفاته في نفس العام ـ والذي اعتمد فيما يبدو في روايته على كتاب كورنواليس كمصدر أمريكي بنفس لغته فأورد "أسرة آل مفرح" كإحدى أسر آل يزيد في الرواية، كما تزامن صدور هذين الكتابين كذلك مع ظهور معلومات جديدة استجدت حول تركيبة الأسرة اليزيدية الأموية من خلال ضم أسرة آل مفرح إلى آل بني يزيد بن معاوية  لأول مرة في أحد الكتب المحلية وهو كتاب "الأمراء اليزيديون ..." لعلي عوض آل قطب

علي قطب يشير في الهامش إلى آل مفرح كجزء من آل يزيد لمجاراة ما أورد كورنواليس
 


‎ وقد حرص الناشر والمقدم لكتاب كورنواليس على الدفاع عن دقة وصحة معلومات الكتاب في المقدمة، كما قام بتخصيص ١٣ صفحة (ص٤٠ ـ ٥٢) في نهاية الكتاب لسرد أسماء أمراء عسير من آل عايض بن وهاس بن ...بن....بن ..بن ... إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، مع أنه لا محل لها في سياق ترجمة كتاب لأحد المستشرقين، وقد شكك المحقق في الهامش  في صحة الأسماء التي أوردها، ولكنه في المقدمة كان قد أوضح أن التشكيك ليس في صحة النسب ولكن في التسلسل وعدد الأسماء الذي يقول أنه نقله عن كتاب عبدالله بن مسفر .
الصفحات الأولى والأخيرة  للملاحق الورادة في كتاب الترجمة
 


والكتاب بما حوى من الأخطاء فإنه فيما يبدو كان مصدراً مهماً لمزوري إمتاع السامر لصناعة التزوير، ثم لمواجهة السقوط العمودي لأفكارهم الذي بدأت معالمه في الفترة الأخيرة، فقد مثل الكتاب المصدر الوحيد الذي يجمع إلى جوار أسرة آل عايض بعض الأسر المحلية والأسماء المشهورة في أبها  تحت مسمى "آل يزيد"، فقد جاء مثلاً في الكتاب إشارة لبعض الشخصيات الهامة في عسير فورد بينهم (في الترجمة العربية) عبدالله بن مفرح وعبدالله بن مجثل وتم الإشارة إلى أنهما من آل يزيد بالإضافة إلى حسن بن عايض وبقية أفراد أسرة آل عايض فقط
"عبدالله بن مفرح" و"عبدالله بن مجثل" كما وردا لدى كورنواليس

وبذلك فقد يجد من يقرأ النسخة المترجمة أن الكتاب يدعم صحة وجود أسرة حكم يزيدية تنتمي لها الأسر الحاكمة في عسير مثل آل مجثل وآل عايض، وهي الأسرة اليزيدية الأموية، وكما أوردت مجموعة إمتاع السامر، ولا مشكلة في ضم أسرة آل مفرح إليهم، بصفتها أسرة المشيخة في بني مغيد حالياً، وهنا فإننا أمام شاهد محايد كما وصفه علي عوض آل قطب.
‎والكتاب كان سيكون له ما أمَّلوا من القيمة لولا أن كورنواليس وقع في أخطاء لا تغتفر في هذا الخصوص، فقد ضم آل أبو سراح وآل مشيبة أيضاً إلى آل يزيد، كما هو واضح في الصفحات التالية 65-66:
قبيلة بني مغيد ومنهم آل يزيد كما أوردهم كورنواليس (من منتصف الصفحة ٦٥ـ BENI MUGHEID)
أول بطون بني مغيد الثمانية (مرقمة) وهو: "آل يزيد"،  وقد قسمه كورنواليس إلى ثلاثة بيوت (مرقمة)، ثم تأتي بقية البطون 
 

‎وكما نلاحظ في النص، فإن كورواليس قسّم بني مغيد إلى ثمانية أقسام أولها آل يزيد (أسرة الحكم) التي ذكر أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهم ١- آل عايض ٢- أولاد ابن مفرح وضم إليهم "أحمد بن مشيبة" ٣- آل أبو سراح، ومن ثم فمن الواضح أن المؤلف يتخبط، فآل أبو سراح من قرية العزيزة ولا علاقة لهم بآل يزيد ولم يقل بذلك أحد، كما أن آل مشيبة ينتمون لقبيلة آل عبدالعزيز ولا علاقة لهم بآل يزيد ولم يقل بذلك أحد، وآل مفرح أيضاً لم يسبقه أحد إلى ضمهم إلى آل يزيد بما في ذلك كتب إمتاع السامر المزورة، ناهيك عن آل مجثل، وهذا ما يدل على أن كورنواليس الذي ارتكب العديد من الأخطاء وادعى أن في كل قبيلة تحدث عنها شيخان أحدهما للبدو والآخر للحضر على غير الحقيقة، وأسقط قبيلة ربيعة ورفيدة من المفهوم المحلي لعسير وضم بدلاً منها رفيدة اليمن (رفيدة قحطان) .... كان يتخبط بالفعل، فمن الواضح أن كورنواليس كان لديه مشكلة في مصدر المعلومة، فضم كل أمراء عسير وأعيان أبها إلى (آل يزيد)، وهي أخطاء طبيعية متوقعة ممن يتحدثون عن بعد، فيفترضون وجود أسرة حكم ينتمي لها الأمراء المحليون ويستمدون شرعيتهم من خلال الانتماء لها، كما أشرت في كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" ص٣٤١

صفحة من كتاب "عسير والتاريخ وانحراف المسار" يتعلق بأخطاء الكتاب بافتراضية الصلة بين الأمراء


ولكن بمثل هذا النص بالذات ينكشف التزوير في مكمنه، فالباطل يظل هزيلاً ضعيفاً يعري نفسه دائماً دون أن يعي ذلك، فقد حاول المزور الذي يشرف على هذه الترجمة أن يحول دون انكشاف أخطاء كورنواليس وتخبطه الواضح وبالتالي سقوط القيمة العلمية لشهادته، فقام بتحريف النص المترجم للصفحة السابقة من كتاب كورنواليس (66) بطريقة جذرية، وهاتان صفحتا الترجمة:

ترجمة الجزء الخاص ببني مغيد  ـ ابتداء من العنوان "بني مفيد" (السطر الثالث من الاخير ص٧٦) في النسخة المترجمة
 

وكما نرى، فقد أخفى المترجم الإشارة إلى إسم آل يزيد وأدرج أسماء الأسر التي وردت في الأصل كفروع لآل يزيد بطريقة تلغي أي رابط بينها، أو بينها وبين آل يزيد، فجاءت في الترجمة كعناوين متفرقة، وأخفى تسلسل درجات الانتماء الوارد في الأصل، بل واقتطع المترجم جزءاً كبيراً من النص (عدة أسطر)، كما أخفى الترقيم في تسلسل أسر آل يزيد كما ورد في الأصل بل وفي كامل قبيلة بني مغيد لإخفاء الجريمة.
 ولا شك أن من يحاول إخفاء الأخطاء والالتفاف على الحقائق لاستدراج الأسر الكريمة للتورط بالمصادقة على الأكذوبة الكبرى، لم يكن ليفعل ذلك لو كان يعي أنه يحمل الحقيقة واضحة المعالم. 

‎كما يلاحظ أن المترجم حاول الالتفاف على اسم أحد الشخصيات الواردة في النص وهو "محمد بن علي ولد علي بن مرعي" (mohammed Ibn 'Ali walad 'Ali Ibn Mura'ii)

محمد علي ولد علي بن مرعي كما أورده كورنواليس (رابع اسم في الصفحة)
حيث أورده المترجم باسم: "محمد بن علي ولد علي بن مربع"، نظراً لكون الإسم "مرعي" سيعني إيضاح المقصود بإسم مرعي حاكم تندحة (الواقعة في بيشة بن سالم)، الوارد في كتاب  "كيف كان ظهور شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب"، وهو ما أشرت له في موضوع "مصادر التزوير بالوثائق ١"

 "محمد بن علي ولد علي بن مرعي" كما ورد في الترجمة (بعد تعديل اسم "مرعي" إلى "مربع")

‎ومن خلال القراءة المتفحصة لهذه الترجمة التي حملت إضافة إلى إعادة استنساخ أخطاء سابقاتها أخطاء جديدة وكثيرة في كل أجزاء الكتاب، فقد اتضح أنها لم تكن إلا إحدى إصدارات مجموعة تزوير إمتاع السامر، فقد كانت الترجمة غير أمينة، بل وموجهة بشكل مزري، فالإصدار لم يكن إلا محاولة للدفاع عن فكرة وجود الدولة اليزيدية المزعومة التي بدأت تتهاوى، من خلال الانتقاء من أخطاء الكاتب ما يدعم الفكرة وحذف ما يثير الشك، ولعل هذا الكتاب الذي اصدرته دارا نشر متضمانتان في ظل الظروف العربية الراهنة مع أن الكتاب سبق ترجمته عدة مرات، وترافق النشر مع صدور عدد من الكتب المماثلة، وفي هذه المرحلة بالذات التي بدأت فيها تنكشف معالم التزوير  يدل على وجود الأهداف السياسية وراء ما يحدث .









هناك 3 تعليقات:

  1. الأخ منصور بعد التحية عندي سؤال فقد التبس علي الأمر هل تقصد أن كتاب عسير قبل الحرب العالمية الأولى مزور من الأساس على كورنوالس أم أن التلاعب حدث في الترجمة ؟؟؟

    ردحذف
  2. اوافق على كثير مما ورد في هذا الاستقصاء فتاريخ عسير برمته مليء بالمتناقضات والمبالغات وعلى العقلاء إعادة النظر فيما حوته الكتب المدلسة

    ردحذف