الاثنين، 9 ديسمبر 2013

المخطوط بين مفهوم الوثيقة التاريخية ومفهوم المدونة الشخصية الخاصة جداً

تعد المخطوطات القديمة وثائقاً تاريخية مهمة، بل هي من أهم المصادر التاريخية التي يعتمد عليها المؤرخون في كتابة التاريخ.
 وهي من الأهمية بحيث أن وجود المخطوط الذي لم يسبق الاطلاع عليه في الكتاب التاريخي يزيد من اهميته بدرجة كبيرة.
 ولكن وهل يمكن اعتبار كل أثر مدون بخط اليد وثيقة تاريخية؟.
لن أعرج هنا إلى التعريفات العلمية للمخطوط أو للوثيقة التاريخية، ولكنني سأناقش عقل القارئ لأنني أحترمه جدا، فأحيانا يكون الأمر من الوضوح بما يغنينا عن الحديث بطريقة رسمية تلتلزم حرفية المعايير، والتطرق للتعريفات السابقة للحالة.
 فمثلاً عندما أتحقق من صحة أن شخصاً ما كتب مدونة تاريخية في منطقة عسير عام ١٣٣٥هـ أو ما قبل ذلك واختتمها بما جرت عليه العادة وأرَّخها ووضع اسمه عليها، فإنني هنا أمام وثيقة تاريخية مكتملة المعالم، ولكن الثقة تقل بمعلومات المخطوط التاريخي عندما لا يختتم الكاتب المدونة أو لا يكتب اسمه أو تاريخ الكتابة، لأنه لم يهيئها للقارئ بوضع اللمسات الأخيرة، ليكون ذلك بمثابة الإذن باكتمال العمل والفسح بالنشر، ويثبت لنا بذلك ثقته في المعلومة ومسئوليته الكاملة عما كتبه.
 ولكن الشرط الأهم من كل ما ذكرناه للاعتراف بالمدونة كوثيقة تاريخية هو أن يتم التحقق من أن المدونة اليدوية سابقة لمرحلة طباعة الكتب في بيئتها، فعندما أجد أن هنالك مدونة يدوية لأي شخص كتبت أثناء انتشار الكتب المطبوعة والمطابع ودور النشر فلا يصح اعتبار هذه المدونة وثيقة تاريخية، ولا يجوز النقل عنها في الكتب التاريخية، لأنها ناهيك عن كونها عبارة عن عمل حديث، فإنها عمل غير مكتمل، ولا تمثل أكثر من محاولة لم تنجح،  أو معلومات غير موثوقة وصلت للكاتب من الآخرين، إذ أن عدم الطباعة والنشر بالطرق المعتبرة في حينه، يعني أن الكاتب لم يكتب للنشر، أو أنه لم يتحقق من صحة المعلومات التي كتبها مبدئياً بخط يده ـ ربما نقلاً عن هذا أو ذاك ـ على أمل التحقق من صحتها لاحقاً فلم يتمكن، لذا لم يقم بطباعتها في كتاب، فاكتمال العمل يكون بنشره من قبل الكاتب بالطرق المعتبرة في حينه، ليكون ذلك دليلاً على ثقته في المعلومة التي قدمها وتحققه من مصادره  والتزامه بالمسؤولية عنها، وإذنا بالنشر وبالقراءة للقراء.
   ومن ثم فلا قيمة علمية لأي مخطوط يدوي حول التاريخ  كتبه أحد المعاصرين للطباعة وطرق النشر المتبعة في العصر الحديث ثم لم يطبع وينشر ككتاب كما جرت العادة.
ومن ثم فإن عرض هذه المدونات بعد وفاة هذا الشخص كوثائق تاريخية ينقل عنها الآخرون يعتبر خطأ يرتكب بحق المتوفي دون أذنه،  إذ أن صاحب الوثيقة كان بإمكانه نشرها إلا أنه لم يتجرأ على ذلك لأسباب قد تتعلق بالرغبة في تلافي تحميل ذمتة مسؤولية الإدلاء بمعلومات لم يتم التحقق من صحتها أمام الله، بينما أقدم سواه على تحميله هذا الوزر.

كما أن إقدام أي كاتب على النقل عن وثيقة كهذه سيكون معيباً لجهده الذي بذله في الكتاب.

  ما أثار لدي الكتابة حول هذا الموضوع هو ما وجدته لدى الباحث / علي عوض آل قطب في كتابه "الأمراء اليزيديون عسير ... تاريخ لم يكتب" حيث اعتمد كثيراً على مخطوط  ذكر أنه "للحسن بن علي الحفظي" وهو ما أطلق عليه : "حولية في تاريخ عسير" ذكر أنه حصل عليها عن طريق ابنه، ونقل عنها الكثير من الغرائب التي لم ترد لدى أي سابقيه من آل الحفظي كمحمد بن هادي العجيلي ومحمد بن أحمد الحفظي وعبدالرحمن الحفظي ولا حتى وردت في وثيقة الحولية الأخرى حول تاريخ عسير التي أوردها، والتي كانت بدون مؤلف.
وبالبحث عن كاتب المخطوط وجدت عنه التالي:
"الحسن بن علي الحفظي
هو الحسن بن علي بن محمد بن حسن بن عبدالرحمن بن محمد بن أحمد بن عبدالقادر الحفظي من مواليد عام ١٣٤٥هـ ببلدة رجال، نشأ في بيت علم وفضل وتلقى تعليمه في المدرسة الحكومية وتوفي عام ١٤٠٦هـ"
 أي أنه عاش حتى عام ١٤٠٦هـ، ومن ثم فإنه قد عاصر مرحلة الطباعة قبل وفاته بفترة طويلة، بل إن أحد آل الحفظي من أبناء عمومته طبع كتاباً في مطابع مازن بأبها عام ١٣٩٣هـ وهو كتاب محمد بن ابراهيم الحفظي "نفحات من عسير"، كما أن الكاتب عاصر مرحلة التظليل التاريخي وتزوير الكثير من الكتب التاريخية التي حملت الكثير من المعلومات الخاطئة، ومن ثم فإن ما ورد فيها من معلومات غير مسبوقة هي محل شك بدرجة عالية، ولا يصح الاستدلال بها من كل النواحي، خاصة وأن الكاتب لم يتجرأ على طباعتها مما يدل على أنه ربما تلقف المعلومات مشافهة من بعض المتحمسين لأفكار محددة ودوَّنها، أو أنه حصل عليها من مصادر غير معروفة، ولكنه لم يصل للثقة بما دوَّنه فتحاشى التورط بطباعتها ونشرها، ومن ثم فإن هذه المدونة لا تمثل وثيقة تاريخية ينقل عنها رأي المذكور، ولا يمكن الاستفادة منها في أكثر من معرفة خط كاتبها رحمه الله لو ظهر له مدونات أخرى للمقارنة والتحقق، أو كذكرى لدى أبنائه.
ومن الغريب الزج بمثل هذه المدونة واعتبارها وثيقة تاريخية في بحث أكاديمي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق